الصفحة الاولىصحيفة البعث

تونس: غضب سياسي وشعبي جراء إقالة وزير الداخلية

 

أثار إعفاء لطفي براهم وزير الداخلية التونسي من مهامه استياء عدد من السياسيين ونشطاء المجتمع المدني، معتبرين أن الوزير كان كبش فداء، ووصفوا الإقالة بأنها “صفقة الخزي والعار بين يوسف الشاهد رئيس الحكومة وحركة النهضة”.

وتجمّع العشرات من نشطاء المجتمع المدني والشخصيات السياسية أمام مقر وزارة الداخلية وسط العاصمة في وقفة احتجاجية على القرار، واعتبروا أن قرار الشاهد قرار جائر وظالم نظراً لنجاح براهم في مهمته على رأس وزارة الداخلية بفضل حياده ومهنيته، وهتفوا بعدد من الشعارات منها: “تونس حرة حرة والشاهد على بره” و”جاك الدور جاك الدور يا شاهد يا شاهد زور”.

والأربعاء أعفي لطفي براهم من مهامه، وكلف وزير العدل غازي الجريبي بمهام وزير للداخلية بالنيابة.

وجاء قرار الشاهد بعد 4 أيام من حادث غرق مركب لمهاجرين غير نظاميين قبالة السواحل التونسية، راح ضحيته 66 شخصاً.

وقال النشاط السياسي الطاهر بن حسن، الذي شارك في الوقفة الاحتجاجية: “إن الوقفة كانت تلقائية، ولم تكن منظمة من أية جهة”، مشدداً على أنه لأول مرة منذ سنة 2011 تمّ تعيين وزير داخلية مهني، “لكن يبدو أن من في الحكم لا يفضلون المحايد، ويرغبون في تقاسم الغنيمة”، وأضاف: “إن تلقائية الوقفة الاحتجاجية تؤكد أن إقالة براهم أكبر ظلم نظراً للنجاحات في مكافحة الإرهاب، تحظى بالتقدير والاحترام”.

وطالب المحتجون الشاهد بالتراجع عن قراره، وعدم البحث عن كبش فداء لتغطية السياسات الفاشلة في ظل النجاحات الأمنية التي حققها براهم، وقالت هند يحي رئيسة المجلس الوطني لنساء تونس: “في الوقت الذي كنا ننتظر فيه رحيل الشاهد يأتي قرار إقالة براهم ليؤكّد أن الحكومة باتت تتلاعب بأمن البلاد”.

ويرى خبراء أن براهم قاد جهوداً ناجحة لتوفير الاستقرار الأمني في البلاد، خاصة بشأن مكافحة نشاط الجماعات الإرهابية، وإحباط مخططاتها وهجماتها.

وفككت السلطات الأمنية، منذ تولي براهم مهامه على رأس وزارة الداخلية، العشرات من الخلايا الإرهابية التي كانت تنشط في الأحياء الشعبية والجهات الداخلية.

وقال مهدي جمعة، رئيس الحكومة الأسبق، ورئيس حزب البديل في تدوينة على صفحته بمواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” معلقاً على قرار الإقالة: “في الأزمات يبحث عن كبش الفداء وتهمل الحلول، الاستقرار هو أيضاً تحصين الدولة ومؤسساتها ورجالاتها من الحسابات الضيقة”.

وأجج القرار غضب المعارضة، وفي مقدمتها الجبهة الشعبية التي رأت فيه مؤشراً إضافياً على السياسات الفاشلة التي ينتهجها الشاهد، ولا يقدر جهود الأمنيين في مكافحة الإرهاب.

ودفعت حالة الغضب بمنجي الرحوي النائب عن الجبهة إلى القول في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية بـ “فيسبوك” بأن”كل من يريد أن يوهم أن إقالة لطفي براهم جاءت على خلفية حادثة غرق قارب بقرقنة هو استخفاف بالعقول وضحك على الذقون”، واعتبر أن “الإقالة لا تعدو إلا أن تكون نتاج صفقة الخزي والعار بين الشاهد والنهضة”، قائلاً: “لطفي براهم أقيل لأن الأمن غير مضمون.. تآمركم على أمن تونس لن يغتفر”، وتساءل: “لماذا لم تتم إقالة وزراء آخرون فيهم من ثبت فشله الذريع في إدارة وزارته وفيهم حتى من حامت أو ثبتت حوله شبهات فساد”، ملاحظاً أن “حادثة قرقنة ليست الأولى، سبقتها أحداث وفي عهود وزراء داخلية آخرين”.

ونوّه الرحوي بجهود براهم وبجهود الأجهزة الأمنية التي ما انفكت تقود حرباً ضد الإرهاب، وشدد على أن إقالة الشاهد لوزير الداخلية “لا يعني سوى إحباط العزائم لا فقط في صفوف الأمنيين، وإنما في صفوف الطبقة السياسية التي تقدّر جيداً جهود براهم”.

ويصنف براهم، كما يذهب إلى ذلك محللون، كفاءة أمنية وطنية محايدة ما انفكت تقف على نفس المسافة من جميع الأحزاب السياسية.

وخلال فترة رئاسته لوزارة الداخلية نأى براهم بالأجهزة الأمنية عن التجاذبات السياسية متحدياً شراهة النداء والنهضة في اختراق الأجهزة الأمنية، وقاد جهوداً لتطهير تلك الأجهزة من أمنيين محسوبين على النهضة والنداء، إذ لم يتردد بإقالة عدد من القيادات والضباط حفاظاً على حيادية العمل الأمني.

ووصف الصحبي بن فرج قرار النائب عن كتلة مشروع تونس الإقالة بـ”الخطير” الذي “لا يمكن اتخاذه إلا بالتشاور بين رئيس الحكومة ورئيس الدولة”، وشدد في تدوينة على أن “السيد لطفي براهم خدم الدولة التونسية في مواقع عديدة، سواء في الحرس الوطني، أو على رأس وزارة الداخلية، وهو منصب سياسي حساس يخضع لعديد المؤثرات والمقاييس عند التعيين أو العزل”، وتابع: “يسجّل للسيد الوزير السابق نجاحات أمنية كبرى في مكافحة الإرهاب، خاصة العمليات الاستباقية”.

ولم يتردد سياسيون في التأكيد على أن القرار من شأنه أن يعمّق الأزمة السياسية التي تشهدها حكومة الشاهد، ويرى الجيلاني الهمامي القيادي في الجبهة الشعبية في تصريحات لوسائل الإعلام: إن “الإقالة خطوة جديدة تعمّق الخلاف داخل منظومة الحكم”. ولازم كل من النداء والنهضة الصمت تجاه الإقالة، إذ لم يصدر عن أي قيادي منهما أي تعليق أو تصريح، ما يعني أنهما يقفان وراء القرار الذي فاجأ التونسيين.

ويتوقّع مراقبون أن تلقي إقالة براهم بتداعياتها السلبية، لا فقط على منظومة الحكم، وإنما على المشهد السياسي العام، وأيضاً على الأجهزة الأمنية، التي تقدر جهود براهم، كما يتوقّعون أن تتسلل حالة الاستياء والتململ إلى النقابات الأمنية التي ما انفكت تطالب بحياد وزارة الداخلية عن التجاذبات السياسية، خاصة بين النداء والنهضة.