رأيصحيفة البعث

القمة الكورية – الأمريكية: من الرابح ومن الخاسر؟

د. مهدي دخل الله

سؤال إشكالي… لأنه لا يمكن الحديث عن طرف رابح بالمطلق، وآخر خاسر بالمطلق، إلا في حال كان الطرف الخاسر مفروضاً عليه التفاوض بحكم القوة والجبر، وهذا غير موجود في قمة سنغافورة..

إذاً هي من حيث المبدأ قمة رابح – رابح، فالتفاوض الندي يربح فيه الكل حتى عندما يخسرون، مع فرضية أن التفاوض جاء نتيجة لإرادة الطرفين…

لكن صيغة رابح – رابح، لا تعني أن الربح متساوٍ تماماً، وإنما هو ربح نسبي وخسارة نسبية. بمعنى أن طرفاً يربح أكثر من الطرف الآخر، وفائض الربح هذا يساوي فائض الخسارة عند الطرف الآخر. هذا منطق لا يمكن أن يحاجج فيه كل من خبر تقنيات العلاقات بين الدول، بل وبين الناس العاديين…

ولاشك في أن نظرة غير منحازة – والمنطق لا عواطف له ولا ينحاز – إلى دفتي ميزان لقاء ترامب – جونغ إيل، تؤكد أن الأكثر ربحاً هو الجانب الكوري مع الاعتراف بربح الجانب الأمريكي:

1- إنها قمة ندية، لأنها جرت على أرض محايدة بموافقة الطرفين، ومن المنطق عندما يلتقي طرفان ندياً يكون الطرف الأصغر أكثر ربحاً من الطرف الأكبر والأقوى، لأن الندية بين غير المتساويين في الحجم والقوة معناها ارتفاع للأصغر وانخفاض للأكبر..

2- إن عدم وجود شروط مسبقة وإملاءات يعني أن الأصغر أكثر ربحاً. لأنه من الطبيعي في الأحوال العادية أن يملي الأكبر على الأصغر. اسألوا زعماء الخليج.

3- الضجة الإعلامية الهائلة، والتحضيرات المكثفة، وإعلان ترامب نفسه بأن ما يجري حدث تاريخي، كل هذا يعني رفعاً لمستوى الأصغر. إن أي تحرك لترامب كرئيس للدولة الأعظم مهم، لكن الأهمية الإعلامية هنا جاءت بسبب اجتماعه مع الرئيس الكوري، ولو أن ترامب نفسه اجتمع مع زعيم دولة تابعة لا رأي لها لما أبدى الرأي العام العالمي مثل هذا الاهتمام.

4- إن القمة فتحت الباب فقط لمفاوضات لاحقة بين وزيري خارجية البلدين، يعني أن ترامب لم يكن قادراً على حمل حلول جاهزة (أوامر) على قاعدة (take it or leave it)، وهذا اعتراف فعلي باستقلالية الطرف الكوري..

إنه درس يؤكد أن الاستقلال ثمنه باهظ، لكنه أقل من ثمن التبعية، وأن جدواه ليست مطلقة، لكنها أكبر من جدوى التبعية، إن كان للتبعية أي جدوى..

هذا الدرس نحفظه تماماً في سورية، بل إننا أصبحنا معلمين ومدربين لمن يرغب، ونحن نرى حولنا كيف أن التبعية فعلاً باهظة الثمن دون جدوى. هل يستطيع ترامب أن يريح نفسه من حضور القمة، وعوضاً عن ذلك يعطي أوامره لكيم جونغ إيل بالهاتف؟ قطعاً لا. أما الدول التابعة فإليكم ما قاله وزير دفاع قطر حرفياً أثناء زيارته الأخيرة لواشنطن: «يستطيع ترامب أن يحل الخلاف القطري السعودي بالهاتف» يعني بكلمة واحدة: «انضب أنت وإياه»… واخجلتاه!..

mahdidakhlala@gmail.com