“الساحرة المستديرة”.. هوس يسيطر على الكثيرين وسلوك مرضي قد لا تحمد عقباه!
ما إن انطلقت صفارة المونديال حتى سارع عشاق الساحرة المستديرة في كل مكان لمتابعة المباريات، وتشجيع فرقهم ونجومهم المحبوبين، ومما لا شك فيه أن هوس متابعة المونديال أصبح مسيطراً على الجميع صغاراً وكباراً، فأنساهم قضاياهم وهمومهم ومشاكلهم، كون كأس العالم يمثّل أكبر مناسبة عالمية قد تجتمع على محبتها نسبة كبيرة من الجمهور بمختلف ثقافاتهم، ورغم ما تعانيه البلدان العربية من حروب وأزمات لم تمنعها الظروف من انجذاب شعوبها لشاشات التلفزة والعرض، على اعتبار أن هناك فرقاً عربية كانت قد تأهلت للكأس، وهذا ما أعطاها نوعاً من الخصوصية هذا العام، ورغم تراجع وخروج بعضها، لم تتراجع نسبة الحماس أو الرغبة بالمتابعة لدى الشارع عامة، فهل يكون المونديال متنفساً للبعض ينسون من خلاله لساعات هموم يوم طويل، أم هو فعلاً حالة من الهوس تنتابهم تبدأ ولا تنتهي بوقت قصير؟!.
اختلاف
لاحظنا خلال لقائنا بعض متابعي مباريات كأس العالم ذلك الهوس الواضح بالكرة، وخيبات الأمل عند المشجعين الذين عقدوا آمالاً على فرق كبيرة، سامر وهو على أبواب الأربعين يقول إنه من عشاق الكرة، ولا يستطيع أن يضيّع عليه أية مباراة، ما يسبب له مشاكل عائلية مع زوجته التي تتهمه “بالجنون”، وعن كأس العالم يقول: دوّنت على دفتر ملاحظاتي توقيت المباريات والفرق المتنافسة كي لا تفوتني ولا واحدة، وسامر الذي يشجع البرتغال نقل عدوى هوسه لطفله الذي سببت له خسارة البرازيل في المونديال الماضي حالة من البكاء الطويل لم تنته إلا عند الطبيب، أما سومر أبو حيدرة الذي يبلغ من العمر الثلاثين، فعبّر عن عشقه لكرة القدم الذي يعود للطفولة، ودوّن هو الآخر في جدول علّقه على حائط غرفته مباريات المونديال رغبة بمتابعة كل تفاصيلها، وهو على حد تعبيره يحب متابعة كرة القدم في البيت، وإن لم تسنح له الفرصة يذهب إلى أحد المقاهي القريبة ويتابعها ويتفاعل مع الحضور، أما محمد فقد سببت له ألمانيا خيبة أمله بخسارتها أمام المكسيك، واعتبرها هزيمة له أمام زملائه، حيث راهن على فوزها بكأس العالم، وخسارتها في أولى المباريات جعلته– بوصفه- مدعاة للسخرية أمامهم.
رأي مختص
الدكتور يوسف لطيفة، رئيس قسم الشعبة النفسية في مشفى المواساة، نفى أن يكون للحروب أثر في زيادة نسبة متابعة المونديال، بدليل أن المتابعة قبل الأزمة كانت أكبر بكثير، وتتم عبر شاشات عرض تنشر في أرجاء المدن وفي الخيم، وقسّم لطيفة نماذج المتابعين إلى شريحة تعاني من تعلّق وحب لمتابعة المونديال، وجزء عادي وطبيعي يتابع كرة القدم من باب الهواية، وبإمكانه التخلي عنها، والسيطرة على سلوكه، وهي حالة موجودة عند نسبة كبيرة من الناس، ونموذج يكون لديه تعلّق مرضي، وهو شكل من أشكال الإدمان لا يستطيع المصاب به أن يتخلى عنه، وفي حال تركه يصاب بقلق وتوتر شديد نابع عن شيء داخلي يشبه إدمان الدخان، ووسائل التواصل الاجتماعي، أما النموذج الثالث الذي تحدث عنه الدكتور لطيفة فهو الشريحة التي تتبع هذا السلوك لتفريغ القلق والتوتر والكبت، والبعض يصبح لديه اندماج ومشاركة انفعالية شديدة مع المباراة، وجزء آخر يتابعها بشكل “وسواسي” مفروض كنوع من المجاراة للمجتمع ولوسائل الإعلام، واعتبر لطيفة حالة المتابعة من باب التفريغ أفضل السلوكيات، أما المرضي منها فيؤدي بصاحبه لحزمة من الاضطرابات والقلق لا تحمد عقباها.
كسب مشروع
الحالة العامة التي يشكّلها كأس العالم جميلة لا نستطيع نكرانها، فازدحام المقاهي والمطاعم، والضجيج الذي يصدر من هنا وهناك، يشعل حماساً لاإرادياً في النفس، والحركة والحياة التي يضج بها الشارع تجعل المواطن ينسى الحروب للحظات، لاسيما عند تسمّره أمام الشاشة، خليل، مدير أحد الفنادق في دمشق، قام مع إدارة الفندق بوضع شاشة عرض على التراس ليسمح لجميع النزلاء بمتابعة كأس العالم قائلاً: تزداد طلبات النزلاء وهم يتابعون المباريات، وهي بالنسبة للفنادق مكسب، فبدلاً من اضطرار النزيل للخروج من الفندق نجعله يتابعها فيه، وهذا يزيد الأرباح دون أدنى شك، لأن الرهان الذي يحدث بين الأصدقاء، إدارة الفندق تكسبه أيضاًً لدى جميع الأطراف، وفي الوقوف عند المكاسب التي تحصدها الدول المستضيفة، نعود بالذاكرة لعام 2014، وللبرازيل التي بيّنت تقارير أن التكلفة الإجمالية التحضيرية التي تتكبدها أرض الكرة لاستضافة المونديال وصلت لنحو 28 مليار ريال برازيلي، بمعدل 8,6 مليار دولار لأعمال البنى التحتية، وأنفقت نحو ملياري دولار على الترتيبات الأمنية، أي أن إجمالي ما أنفقته هو 13 مليار دولار، وحسب بيانات حكومية فقد أوجد المونديال في البرازيل مليون فرصة عمل، وجذب مليون سائح أجنبي، أما روسيا، وحسب التقارير، فقد زادت ميزانيتها المخصصة لنهائيات كأس العالم بمقدار 19 مليار روبل روسي، لتصل بمجملها إلى أكثر من 20 مليار دولار، كما قام الرئيس الروسي بتوقيع قانون يسمح بدخول الأجانب المشجعين إلى روسيا دون تأشيرة إذا حملوا نسخة الكترونية من البطاقة الشخصية بغية تشجيع الزائرين، وزيادة أعداد السياح، وتوقعت التقارير أن يحقق المونديال 100 ألف فرصة عمل، ونشاط القطاع السياحي بشكل عام، وبمقارنة هذه التكاليف مع سابقاتها نجد فرقاً كبيراً وواضحاً، إذ لم تكلّف استضافة كأس العالم في أمريكا وفرنسا عام 1994و1998 سوى 340 مليون دولار، ما قد يعني أن مشاهدة كأس العالم من قلب الأرض المضيفة سيكون حلماً مع قادم الأيام، ومرهوناً بالطبقة الثرية.
هل يكون!!
الكثير منا يرغب بمتابعة المونديال، وتشجيع فريقه مباشرة، ويحلم السوريون بأن تستضيف دمشق هذه التظاهرة يوماً من الأيام، فهل يتحقق هذا الحلم بالألفية الثالثة يا ترى؟! وهل سنكون على قيد الحياة لنكون شاهدين عليها؟!.. حلم قد يتحقق يوماً ما.
نجوى عيدة