في ورشة تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد وزير العدل: التركيز على دور الإعلام والمؤسسات الرقابية وسيادة القانون وزيـرة الـتـنـمية الإداريــة: قــطــع جـــــذر ورأس “هــــيـــدرا الفـــســاد”
دمشق– ريم ربيع
بدت محاولة وزارة العدل لفتح ثقب في جدار الفساد وتأمين عبور آمن لحصان المشروع الوطني للإصلاح الإداري الذي أطلقه السيد الرئيس بشار الأسد، محاولة جدية عندما اختارت لورشتها النوعية التي أقامتها أمس في مكتبة الأسد “مانشيت” عريضاً يضع القدم في ميدان الشفافية ومحاربة الفساد من منطلق الأرض الصلبة للاستراتيجية الوطنية لمكافحة عدو الانتصار والتطور والنمو.
ولأن المطلوب تعزيز دور السلطة القضائية في هذا التحدي وإرساء مبادئ النزاهة داخل الجهات العامة، بالتوازي مع رفع مستوى وعي المواطن نحو المكافحة على أمل الوصول إلى تعاون وتنسيق مشترك بين الأجهزة الحكومية والمجتمع الأهلي، فإن انخراط أربع وزارات “العدل – الداخلية – المالية – التنمية الإدارية” مع هيئات التخطيط والتفتيش والرقابة المالية في محور صياغة واستقطاب وفتح النقاش على مصراعيه يعطي مؤشرات لا لبس فيها على أن ثمة قراراً وتوجهاً وحسماً في معركة الحرب على الفساد، وهنا كان مربط الفرس الذي حاول من خلاله وزير العدل القاضي المستشار هشام الشعار تمرير رسائل واضحة، وبالتالي كان الهدف من عقد الورشة عند الوزير هو الفهم الأعمق والمعالجة الأنجع والإدراك الأوسع لمكافحة الفساد، ولهذا كان الشعار مصراً على التأكيد أن الحرب على الفساد معركة مستمرة لا تهاون فيها، فأي تساهل يجعل المجتمع عرضة للدمار، ولاسيما أن الفساد الاجتماعي والثقافي والإداري والديني والفكري والمالي يجد في البيئة الجاهلة مستنقعاً يرتع فيه بظروف الأزمات والحروب.
وهنا أبدى وزير العدل تعويله على الإعلام الواقعي والنزيه الذي دعاه صراحة – عبر وزير الإعلام عماد سارة الذي حضر الورشة – لألّا ينحاز إلا لمصلحة الوطن ولا يميل إلا لصالح المواطن بحيث يتعاون مع المؤسسات الرقابية لتسليط الضوء على الزوايا المظلمة، ومن ثم تأتي مقصلة القانون لاجتثاث كل من قرر أن يعلو فوق سيادته، مؤكداً أن هذه الإجراءات تقودنا إلى ضرورة دستورية تتمثل بسلطة قضائية قوية ورجال قانون أكفياء يشكلون مثلاً أعلى في النزاهة والقدرة على مجابهة الإغواء، كون الحرب على الفساد تعادل أشد الحروب شراسة وخطورة مشبهاً الفساد بصوره العديدة بأسطورة رأس (الهيدرا) الذي يحتاج لاجتثاث الجذر وقطع الرأس.
وأمام ما أتى عليه وزير العدل جاء تعقيب وزيرة التنمية الإدارية د. سلام سفاف التي حددت أدوار قطع رأس وجذر “هيدرا الفساد” بأن تقوم وزارة التنمية الإدارية بقطع الجذر، وتتكفل وزارة العدل بقطع الرأس، ولم تغفل جرأة الأخيرة في طرح المواضيع والملفات دفعة واحدة، في وقت قالت إنها للمرة الأولى يتم تعريف الشفافية المؤسساتية ضمن قانون التنمية الإدارية.
في حين كان للقاضي آمنة الشماط رئيسة الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش إيمان بوجود جميع القوانين والهيئات الرقابية والمحاكم التي لا تحتاج إلا للتفعيل فقط، ودور الهيئة المركزية هو في إيجاد معالجة وقائية وإجراء تفتيشي على جميع دوائر الدولة والتنبيه للخلل والحلول لكي لا يقع الموظف في الخطأ، مؤكدة أنه لا خطوط حمراء، ولا أحد فوق القانون ولا سكوت عن أحد إذا ثبت ارتكابه للفساد.
وأكدد.تيسير الصمادي معاون وزير العدل السعي الدقيق إلى اختيار القضاة وتطوير التشريعات وتحديثها بما يلائم الواقع الحالي، وتفعيل دور التفتيش القضائي بالمحاكم السورية ومتابعة أعمال القضاة ومتابعة الشكاوى بحقهم.
وفي إشارة إلى عشوائية تناول الفساد في وسائل التواصل الاجتماعي أكد د. ياسر كلزي “وزارة الداخلية” أن هذه الوسائل ليست صاحبة قرار ولا يمكنها وضع لجان وجمعيات في ظل وجود حكومة مسؤولة عن هذه القضايا، إضافة للجهات الرسمية كالعدل والداخلية والتنمية الإدارية، فهذه الجهات هي موطن المكافحة وليس وسائل التواصل، وأضاف كلزي أن مكافحة الفساد ترتبط بعوامل تعزيز الشفافية ومعالجة غياب المساءلة وضعف الأجهزة الرقابية والتغاضي عن تطبيق القانون واستغلال النفوذ والسلطة الذي يعد العنصر المشترك في جميع تعريفات الفساد، مستغرباً التركيز على فساد القطاع العام على حساب القطاع الخاص الأكثر عرضة للفساد، فهو غير مضبوط جيداً، إضافة إلى قانون الكسب غير المشروع الذي نسمع به فقط وهو منسي عن قصد أو غير قصد، مشيراً إلى أنه في عام 2011 كان هناك مشروع لقانون متكامل في مكافحة الفساد، ورغم أنه أقر في مجلس الوزراء إلا أنه لم يرَ النور بعدها، مذكراً بوجود اقتراح لإصدار قانون متطور لإحداث هيئة ومجلس أعلى لمكافحة الفساد وكانت الفكرة الدمج بين جهاز الرقابة المالية والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش وكلها مازالت على الورق.
وتناول د.محمد خير العكام – جامعة دمشق – في محاضرته ضعف مستوى عمل مؤسسات الدولة وسلطاتها، حيث يوجد عدم اكتراث بعملية التقاضي نتيجة ضغط العمل وقلة عدد القضاة، ولم تسلم المؤسسات الإعلامية من نقد “العكام” الذي وصفها بأنها تعمل على تغطية أخبار الوزير الفلاني أكثر من تركيزها على المنجزات، إلى جانب الضعف في مستوى تطبيق القوانين، رغم المنظومة القضائية الرائعة، ولكن هناك هوة بين مستوى القانون وتطبيق القانون مع قلة الشفافية؛ ولهذا نحن بحاجة لخارطة طريق وليس فقط خطوات، لافتاً إلى الفساد الضريبي الموجود بكثرة حيث تساعد عليه المنظومة القانونية التي نطبق فيها القوانين الدولية، فقانون ضريبة الدخل مثلاً يؤمن البيئة اللازمة لممارسة الفساد الضريبي.
واستثمر القاضي ماجد الأيوبي رئيس محكمة الجنايات المناسبة لدعوة السلطة التنفيذية إلى عدم التدخل في عمل السلطة القضائية والتزام الوزارات الحياد عند التحقيق بأي موضوع يتعلق بالفساد.
وفي مداخلة للقاضي رامي سعيد أشار إلى أن قانون مكافحة الفساد لم يكتب له النور بسبب عدم وجود فواصل دقيقة بين اختصاصات الجهاز المركزي للرقابة المالية والهيئات الأخرى، وارتباط الأجهزة القضائية بالسلطة التنفيذية يلغي أدنى معايير الاستقلالية، إلى جانب غياب قاعدة بيانات بمنهجيات واضحة ومحددة تمكن من الكشف عن مكامن الخلل التي تساعد في نشوء ظاهرة الفساد، وكل المؤشرات على جرائم الفساد كمية ونفتقد إلى الحالة النوعية، فالوظيفة العامة أصبح فيها حالة كبيرة من الفساد.
هذا وشهدت الورشة التي حضرها وزراء الداخلية اللواء محمد الشعار والإدارة المحلية المهندس حسين مخلوف والسياحة المهندس بشر يازجي والشؤون الاجتماعية والعمل د.ريما القادري ورئيس مجلس الدولة عبد الناصر الضللي عقد 4 جلسات، ناقش المشاركون فيها ماهية الفساد وأشكاله ومدى كفاية التشريع لمكافحته وتحليل الظاهرة وتعزيز الشفافية ودور الأجهزة الرقابية والسير نحو استراتيجية وطنية مقترحة لمكافحة الفساد في الجهات العامة.