ثقافةصحيفة البعث

مع قرب افتتاح معرض الكتاب الثلاثين في مكتبة الأسد إياد مرشد: 200 دار نشر.. 56 حفل توقيع.. حسومات ما بين 25-40 %

 

من يراقب عن كثب التحضيرات الجارية لإقامة الدورة الثلاثين لمعرض الكتاب الدولي يتلمس حجم الجهود الكبيرة التي تُبذل، وقد تحولت المكتبة إلى خلية نحل يعمل موظفوها دون كلل منذ الصباح وحتى المساء لإنجاح فعالية أصبحت علامة فارقة في دمشق.. وفي زحمة العمل الجارية وقبل افتتاح المعرض بعدة أيام يشير الأستاذ إياد مرشد مدير مكتبة الأسد الوطنية إلى أن المعرض الذي يقام تحت رعاية السيد رئيس الجمهورية في الفترة ما بين 31 تموز ولغاية 11 آب يقام في ظل حالة الاستقرار والأمن الذي تحقق بفضل جيشنا الباسل، ودماء أبطال قواتنا المسلحة وانتصاراتها التي انعكست إيجاباً على التحضيرات للمعرض، والتي كانت قد بدأت بشكل مبكر بعد أن تم تشكيل لجنة تنظيمية عليا يرأسها السيد وزير الثقافة والذي أكد من خلالها على أهمية التشاركية في العمل مع الوزارات والجهات المعنية لإنجاز عمل متكامل بحرفية عالية، ودراسة العناوين المرسلة من قبل المشاركين وتنظيم دخولها إلى المعرض.

تضم اللجنة ممثلين عن مجموعة من الوزارات والمؤسسات المعنية بالشأن الثقافي والتي اجتمعت عدة اجتماعات ووضعت أسس تنظيم الدورة 30 لمعرض الكتاب، وأكد مرشد أن التحضيرات الحالية في مراحلها الأخيرة من حيث بناء هيكلية المعرض من الناحية الفنية على مساحة ازدادت في هذه الدورة عن العام الماضي بنسبة لا تقل عن 45% من حجم بناء المعرض واستكمال كافة الإجراءات لاستقبال دور النشر المشاركة والتي يزيد عددها عن 200 دار نشر محلية وعربية، وبالتالي يفوق هذا العدد عدد الدورة الماضية بنسبة 100% تقريباً بازدياد عدد المشاركات الخارجية، فهناك مشاركات من لبنان ومصر والمغرب والعراق وإيران وروسيا والدانمارك.. ولأن التحضير لأية فعالية كبيرة مثل معرض الكتاب لا بد وأن تواجه بعض المشكلات إذ ينوه مرشد إلى أن المشكلة الأساسية التي واجهتهم أثناء التحضير للمعرض كانت في طبيعة العلاقة مع الناشر الذي ما زال يعتمد الأسلوب التقليدي في العمل بإنجاز ما هو مطلوب منه في اللحظات الأخيرة، فهناك دور نشر كثيرة كانت بحاجة لعشرات الاتصالات لترسل قوائم الكتب المشاركة بها، وهذا أضاع وقتاً كان يمكن استثماره بشكل آخر، مع إشارته إلى التعاون الكبير مع رئيس اتحاد الناشرين السوريين الأستاذ هيثم حافظ المعروف بديناميكيته ودأبه الكبيرين.

مجتمع يقرأ.. مجتمع يبني

ويؤكد إياد مرشد أن الهم الرئيسي في هذه الدورة كان في التركيز على جودة الكتاب ونوعيته، وهو الكتاب الذي يتماشى مع ثقافة المواطن السوري الذي لا يعرف إلا الانتماء للوطن، وبالتالي لا مكان للكتاب الذي يسيء لثقافة سورية ولتضحيات شعبها وما قدمه من شهداء، وكذلك الإصرار على أن تكون الكتب المعروضة حديثة وبعناوين جديدة، وهو أمر أزعج بعض الناشرين، بسبب أن  الهدف من المشاركة في معرض الكتاب ليس عرض ما في مستودعات دور النشر، وإنما تعريف رواد المعرض بكل شرائحهم بالكتب الصادرة حديثاً.

ولأن الدورة 30 لمعرض الكتاب ستُعقد تحت شعار “مجتمع يقرأ.. مجتمع يبني” يوضح مرشد أن شعار المعرض يتغير في كل دورة، وقد وقع الاختيار لدورة هذا العام على شعار “مجتمع يقرأ.. مجتمع يبني” انطلاقاً من الظروف التي عاشتها سورية بلد الحضارة والثقافة، ولأن أي مجتمع مثقف وقارئ هو مجتمع متطور قادر على أن يكون لديه محاكمة عقلية سواء في حياته العملية أو في تفكيره ورؤيته المستقبلية، فالإنسان عندما يقرأ يرتقي ويتطور ويصبح أكثر شفافية وقدرة على الانفتاح والحوار مع الآخر وعلى بناء نفسه أولاً ومن ثم أسرته ومجتمعه لاحقاً، وبالتالي فإن العلاقة مترابطة ما بين القراءة والبناء والتطور الذي نحن بأمسِّ الحاجة إليه.. من هنا يرى مرشد أنه وباعتبار أن مجتمعاتنا غير قارئة فإن معرض الكاتب في أية دولة هو فرصة للاطلاع على أحدث الإصدارات من الكتب، وما يوجد في مجالات العلوم المختلفة، وبالتالي فإن معرض الكتاب يحدث صدمة إيجابية وينبه دائماً إلى أهمية الكتاب وضرورته ويحرض على أن يكون في متناول أيدي المهتمين، ولتحقيق ذلك  كانت نسبة الحسم في هذه الدورة تتراوح بين 25-40% وأشار مرشد إلى أن التواصل كان مستمراً وحثيثاً مع الكثير من الجهات حتى تكون مشاركتها وحضورها لفعاليات المعرض أغنى وأكثر، وبالمقابل سعت المكتبة لتقديم خدمات جديدة في المعرض بالتعاون مع العديد من الجهات كشركة سيريتل التي ستوفر “واي فاي” مفتوحاً لكل الزوار خلال فترة المعرض، إلى جانب وجود بثٍّ مباشر لبعض الإذاعات مثل إذاعة “نينار” ومتابعة كافة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة لفعاليات المعرض، وقد سبق  ذلك كله دعاية وإعلانات طرقية بالتعاون مع سيريتل والمؤسسة العربية للإعلان ووزارة الإعلام.

برنامج غني ومتنوع

ويعدُ مرشد جمهور معرض الكتاب ببرنامج ثقافي غني ومتنوع سيُقدم خلال فترة المعرض، وسيقوم السيد وزير الثقافة محمد الأحمد بعرضه ضمن مؤتمر صحفي سيُعقد قبل افتتاح المعرض بعدة أيام يبين فيه خارطة المعرض الثقافية وحجم المشاركات، مع إشارته إلى وجود مهرجان سينمائي مرافق لمعرض الكتاب يتم من خلاله وبشكل يومي عرض أحدث إنتاجات المؤسسة العامة للسينما، كما يتم ولأول مرة في هذه الدورة اختيار شخصية تاريخية يُحتفى بها ضمن المعرض، وهذا العام وقع الاختيار على الفارابي وهو أحد أهم أعلام الفكر الإنساني وشخصية منفتحة ومبدعة في الفكر والموسيقا، وسوف يحتفى به من خلال معرض تُعرض فيه مجموعة من المخطوطات التي تحتفظ بها المكتبة للفارابي، بالإضافة إلى محاضرة تتناول سيرة حياته من خلال أحد المحاضرين المشاركين في الفعاليات الثقافية، وأشار مرشد أيضاً إلى أن المعرض سيشهد حفلات توقيع كتب لشخصيات مهمة في عالم الفكر والسياسة والثقافة والأدب، وقد بلغ عدد هذه الحفلات حتى ساعة إجراء هذا الحوار نحو 56 حفل توقيع، وهو عدد قابل للزيادة.

جناح لكتب الأطفال

وحرصت مكتبة الأسد على وجود جناح كامل لكتب الأطفال الصادرة عن دور النشر التي تنشر هذه النوعية من الكتب، كما تم تخصيص يوم للأطفال ضمن الفعاليات الثقافية من الصباح حتى المساء حيث ستقام ورشات تفاعلية لهم ومجموعة من نوادي القراءة والمطالعة ضمن الأجنحة وأبهاء المعرض طيلة فترة المعرض، مع الإشارة إلى أنه وبعد الانتهاء من المعرض سيتم التحضير لمعرض دولي آخر يقام في الشهر العاشر لأول مرة متخصص بكتب أطفال بالتعاون مع اتحاد الناشرين السوريين ومديرية ثقافة الطفل، والهدف منه تشجيع كتاب الطفل وتعويد طفلنا على القراءة منذ الصغر لبناء جيل يقرأ لأن الطفل الذي لم يتعود أن يقرأ منذ صغره لا ننتظر منه أن يحمل كتاباً عندما يكبر، لذلك يجب زرع بذرة الكتاب لدى الطفل منذ الصغر إذا أردنا مجتمعاً يقرأ، ولا ينكر مرشد أنه لدينا دور نشر متخصصة في كتاب الطفل وتمتلك إمكانيات ممتازة على صعيد تقديم الكتاب شكلاً ومضموناً، وإن كان يعترف أنه لا يمكن مقارنة كتابنا الطفلي بما تم التوصل إليه عالمياً، خاصة على صعيد طريقة تقديم المادة، وهذه مسألة هامة في صناعة كتاب الطفل.

واقع دور نشرنا

ويأسف مرشد لأن الأزمة أثرت على الكثير من دور النشر التي كانت مقراتها ومستودعاتها في الأماكن الساخنة، في حين نجا بعضها الآخر من التخريب والدمار، أما اليوم فتعيش دور النشر السورية حالة تعافٍ وعودة إلى نشاطها وفعالياتها، وقد تم تقديم كل التسهيلات الممكنة لتحقيق أفضل مشاركة لدور النشر السورية والعربية، ونوه إلى أن ما يؤخذ مقابل الاشتراك في معرض مكتبة الأسد رمزيّ وهو مجاني مقارنة مع دول الجوار، وبالتالي فإن المكتبة تقدم من الخدمات أكثر بكثير مما يأتيها من إيرادات بهدف دعم الكتاب السوري والعربي وتشجيع القراءة والمطالعة، وأكد أن سورية كانت عبر التاريخ وما زالت مَصدراً للكتاب والإلهام الثقافي والوعي، وبقليل من التنظيم وتطوير وسائل وآليات العمل يمكن أن نرتقي ونصبح في المكان الأول عربياً على صعيد النشر، وهذا لا يتحقق إلا بمزيد من التنظيم والتعاون وتطوير أدواتنا، لافتاً إلى أن الكتاب السوري ما زال مرغوباً في الوطن العربي لأنه يحمل الكثير من الجدية والالتزام، وهو مادة ثقافية غنية، والجميع فخور بذلك، وكل ما نتمناه أن يتاح له المجال بأن ينتشر ويتعمق حضوره في كل أرجاء الوطن العربي، لأنه ما زالت اللغة التي يُكتب بها هي اللغة العربية بشكلها السليم، في الوقت الذي أصبحت فيه جودة طباعته على المستوى الفني توازي أفضل دور النشر في المنطقة.

أهم نجاح

ونوه مرشد إلى أن مقياس نجاح المعرض قد يكون بالنسبة للناشر حجم المبيعات، وهذا حقه، أما بالنسبة لإدارة المعرض فالمهم المشاركات الناجحة للناشرين ليحققوا نسبة مبيعات جيدة، والأهم نسبة حضور وتفاعل الجمهور معه ومع الفعاليات المقامة فيه وتشجيع القراءة ليكون دخول أي أب أو أم أو ولد أو طالب أو باحث أو دارس وشعوره بالرضا عن المعرض هو أهم نجاح.. ولأن وسائل القراءة تطورت وقد أصبحت القراءة الإلكترونية والنشر الإلكتروني واقعاً عالمياً هو اليوم ينافس بشكل كبير الطباعة الورقية فمن الممكن أن تقيم المكتبة في المستقبل معرضاً للكتاب الالكتروني إذا أتيح الوقت وظروف العمل، لأن مكتبة الأسد هي مكتبة وطنية لديها ظروف عملها، والمعرض هو جانب من جوانب عملها وليس كل عملها، وبالتالي فإن الطموحات كثيرة والمشاريع المستقبلية عديدة، ويتمنى مرشد أن تتيح الظروف تحقيقها لتلبية رغبات الجميع، ووجه الشكر لصحيفة “البعث” التي تواكب فعاليات المكتبة وهو يفتخر بها وبكادرها، متمنياً أن يكون المعرض ناجحاً ويحقق الفائدة المرجوة من إقامته، وأن يكون منبراً ثقافياً وحضارياً.

أمينة عباس