ثقافة

استحقاق لفلسطين

أحمد علي هلال

وإذا كان لفلسطين من كلمة، أو موقف أمام تاريخ بعينه، وحقائق لم تتبدل ثوابتها، فإننا نقول مجازاً هي تنتخب أيضاً، وبالدلالة الوطنية، والقومية، والأخلاقية، ليكون الانتخاب هنا بماهيته ودلالاته المفتوحة انحيازاً لخيار فلسطين، فيما أن ما تختاره سورية، وما يختاره شهداؤها، وشعبها، هو اختيار لمن جعل من المقاومة منظومة تجدد عقدها مع التاريخ والقيم، تجدد عقدها مع من أتى من المستقبل، لتظل سورية واسطة العقد في منظومة المقاومة، وندرك أن بواسل الجيش العربي السوري قد حموا ظهر المقاومة الفلسطينية، فكانت القدس حاضرة كما دمشق والشام في الوعي، وفي الجغرافيا، من أزالت حدود (سايكس بيكو)، ليتصل النضال بالنضال، ويأتي في زمن الانتصارات على كل أشكال الاستعمار الجديد، من يأخذه إلى مكان تحت شمس الحقيقة الساطعة، وإلى جدليتها، ومنطلقها الإنسان، خلاصة وعي حضاري بما ينهض في أرضنا من أبجديات، وأسفار لا تستنفد، كذلك هو اسم سورية من التاريخ إلى التاريخ، إلى المستقبل في خلاصة ما تراكم من آمال كبيرة بأن اسمها –سورية- سيظل واقفاً، ووحده من يصيغ المعنى الحاضر أبداً في ذاكرة الأحرار.
يهفو قلب فلسطين لمن وجد رمزيته تتماهى مع رمزيته، هو الضامن لأن تظل القضية حية عصية على المصادرة والتهميش، أقوى من النسيان، وهو من جعل سورية قطب الرحى، ومهماز كون جديد أعاد رسم الخريطة، لترتقي خطوطها صعوداً صوب حقائق عنيدة مازالت على حدود الشمس هناك تُرسم في صباحات النشيد الوطني، وأرغفة الإيمان الخارجة تواً من أصابع أمهات الشهداء، ومن ضحكات التلاميذ الذين لايزال درسهم الأول “هنا سورية هنا فلسطين”، ومن كدح عامل نشيط مازال يردد سورية أحلى، هكذا تظل ترنيمتنا «سوا» بدلالتها الجمعية المكثفة للدماء والدموع والابتسامات، هكذا ينتخب أيضاً شهداء فلسطين من حمل شعلتهم منذ أمد الحبر، وخفقة قلب أول استشهادي على أرض فلسطين، هكذا ينتخب مثقفوها «العضويون» الذين لا أحد سواهم من عرفوا المعادلة في بقاء سورية، والضامن لأن تستمر فلسطين نشيداً في الضمائر والأفئدة، ونشيد عودة إلى كل بيت فيها سوف تشيده الأرواح الباقية، وإلى كل ظل زيتونة لم تنحن أمام الغزاة، وما زالت تحترف أصابع زارعها، وتنتظره هناك، هكذا نقول للرئيس بشار الأسد: فلسطين معك، وأحلامها ستكبر من جديد على متسع رؤيتك الثاقبة، وأجيالها الحاضرون في مساحات الوعي والمقاومة وثقافة الحياة، سيظلون خط دفاع ذكي عن ثوابتك، وهي بالذات ثوابت سورية، فجدلية سورية وفلسطين هي جدلية المقاومة، وكلمة سرها هنا في دمشق، فذهابنا للمستقبل يعني أن نذهب إلى سورية المتجددة التي ذهب كل غزاتها إلى النسيان، وظلت هي حارسة الاسم، وصورة الوجه الأخير لأمة تحيا لتقدم للإنسانية درساً، ولتكون بلاغتها شعبها واختيار شعبها لمن ظلّ رمزها وقلب نشيدها الخافق فوق قاسيون، نحن شهود الخريطة، كي لا تذهب فلسطين إلى النسيان، وندرك أن التاريخ تصنعه الضرورات أيضاً، هكذا نذهب إلى الثقافة والمقاومة، وإلى من جعل منهما مركباً فريداً، لتكونا قدر سورية في عقدها مع التاريخ، وليستمر حضورها منذ أزل المقاومة، إلى أفق الانتصار، على اتساع الرؤيا التي تذيب زمن الاحتلال والاستعمار، وخدعة «الزمن الأمريكي»، وأساطيره الموهومة، كما «القدر الأمريكي» وحصاده المرّ، هي اللحظة السورية، الثابتة في متغيرات، وتحديات، لم تزد سبائك الذهب إلا صلابة، لتكتب سطرها الأثير في سفر ملحمتها المستمرة، ملحمة الوجود والحق، والتاريخ، والوعي، ملحمة من جاءها من المستقبل حقاً وصدقاً.