ثقافة

كسرةخبز لحياة بأكملها

تميزت مجموعة الأديب سامي الجندي “كسرة خبز” بكثير من الجرأة والاشتغال على التفاصيل مع التركيز العالي على الحس الوطني الهاجس الأساس لقصص المجموعة بعد إصداره السابق “صديقي إلياس” الذي نال مكانة مرموقة في الأدب المعاصر. إذ تبدأ المجموعة بمقدمة مطولة يشرح الكاتب فيها سبب اشتغاله على هذه القصص التي تلامس واقعه الحياتي وتصلح لأيامنا المعاشة بواقعية حتى الآن، إذ يشير بكلماته لسؤالنا كيف يمكن للتاريخ أن يكرر نفسه دون تلك الثغرات التي لابد أن ننجو منها..
“كسرة خبز” المجموعة الوسطى لإصدارات الكاتب “الجندي” صادرة في بيروت بقطع متوسط عبر تسع  قصص، تبرز فيها سرديات النص والاشتغال الباذخ على المفردات متعمداً بعض الألفاظ التي باتت صعبة التوقع والاستعمال في أيامنا هذه وذلك لايرجع إلى الفترة الزمنية التي قام بها الكاتب بنسج مجموعته فحسب بل يتعداها إلى ثقافته الواسعة لاشتغاله على الترجمات الكثيرة لأهم الكتب وروايات الأدب العالمي، وذلك مايجعل قارئ اليوم مضطراً لاستعمال القاموس لتفسير هذه الكلمات التي كان من الممكن استبدالها بأخرى أقل صعوبة أو استعراضاً أحياناً أخرى.
لا يلجأ الكاتب في “كسرة خبز” لتسخير الحوار لخدمة قصصه، بل يتعداه نحو مونولوج مؤدلج مسبقاً في فكره بحسب الفكرة التي يناقشها، وذلك واضح منذ بدئه بمقدمة الكتاب التي افتقدت الحوار وبدت سيرة ذاتية بأسلوب قصصي، بينما جاء الحوار مطولاً فائضاً في قصته “الظل والجدار”  لاحتوائها بعداً فلسفياً  أثقل  جوانب القصة التي امتلكت مستوى عالياً من السرد السهل الممتنع الذي يحمل كثيراً من الاستعارات أتى بعضها من الثالوث المقدس بصور عديدة مع تكرار متعمد لكلمة (الصديد) بالرغم من ثراء معجمه اللغوي الفكري، الناتج عن مكانته السابقة كوزير  للثقافة ثم الإعلام 1967.
ومابين  قصتيه “ولدت معلقاً” و”الملاكم” تبرز معالم امرأة لاحول لها ولاقوة إذ تستجير بالدعاء كي لايتركها زوجها لأنها لاتنجب وكيف يمكن أن تحدث المعجزة وتنجب من قمة قهرها ولداً صبياً. لتظل “الحذاء المثقوب” القصة الأقرب إلى قلبه على حد وصفه والتي تبدت مفاتيحها في المقدمة التي نشرها الكاتب، كما ينوه بأن التعديلات التي أجراها قبيل طباعته المجموعة أضاعت النص الطفل حتى أهلكته، فبساطة القصة سر جاذبيتها لاشتغاله على النواحي النفسية وإغراقه في معاناة شخصية البطل كما يبدو أن الكاتب يتعمد البحث عن ذات الشخصية التي اختلقها، فدائماً مايتكرر سؤاله: “من أنت” فهل ياترى يبحث عن وجوده في الشخصيات أم حقاً يسائلها عن حياتها؟.
يقول في قصته التي حملت عنوان المجموعة: (ماكان يعلم أحد أن الريح حبلى بكل هذا الصقيع، في السنوات الحالية كانت تنهض على مشارف القرية ندىً فتخضر المروج وتزرع المهارى الطيش على التلال، طراداً ثر الصهيل) لكن تقابلها صورة الوجع في قصة “نجومة” فيقول: (ماعادت سبيل الدموع سالكة، ملأها  قبلنا المعذبون سابلة، باكون، مكدودون ماتركوا موطئ قدم لأقدامنا ولابحراً ترفده مآقينا، بتنا لانسير ولا نبكي، قدنا الله من جمود، وجودنا، عيوننا صخر على الصخر، نهيم فلا ندري إلى أي أرض)، بالرغم من ارتكاز المقطعين السابقين على المشهدية والتصوير إلا أنهما بعيدان كل البعد عن بعضهما، فالأول يلامس الروح بشفافية يأخذنا إلى عالم خال من الوجع بينما تحمل الصور في المقطع الثاني الوجع حتى نشوة السكر، وذلك ما تعمد أن يحيطنا الكاتب به، ليجمع كل جوانب الحياة بمرارها وبهائها، معبراً عن النزعة الإنسانية التي تبدو أقرب إلى إشكالية الشعر فتطرق بابه وتدعّم نفسها به، كما يعتبر الكاتب آنذاك قد طرق باب التجريب دون أن يدري ليفتح السبيل نحو لون أدبي جديد فيه كل ما زخرت به ذاكرة الوزير السابق والمترجم الفذ ليرش قناعاته بيادر قمح لاتبور.

ديمه داوودي