في ندوة القدس بين الأمس واليوم: استنهاض المشروع القومي تحت عنوان المقاومة وإنشاء مؤسسة أصدقاء القدس
بينما نكتب هذه السطور ماتزال صواريخ وقذائف الإرهاب الصهيوني تمطر أرض غزة بمباركة من المجتمع الدولي بصمته المعتاد ومساواته بين الضحية والجلاد، وتخاذل المجتمع العربي ودعوة بعض دوله للتهدئة من قبل الجانب الفلسطيني وكأنه المعتدي. غزة ليست الجزء الوحيد من أرض فلسطين الذي ينال نصيبه من الحقد الصهيوني فهناك أيضاً القدس والمحاولات التي ترمي إلى تهويدها ومحو تاريخها بكتابته من جديد بالعبرية. من هنا كانت القدس موضوعاً للندوة السياسية الحوارية التي عنونت بـ “القدس بين الأمس واليوم” والتي أقامتها اللجنة العربية السورية لدعم الشعب الفلسطيني ومقاومة المشروع الصهيوني بالتعاون مع اتحاد الكتاب العرب والتي استضافتها دار البعث وأدارها د. عبد اللطيف عمران المدير العام للدار.
تعددت محاور الندوة ولم يخف د. عمران في افتتاحه لفعالياتها تخوفه من أن يتحول موضوع الحوار للحديث عن غزة ذلك أنها تعتبر القضية التي تشغل العالم وهذا بالفعل ما غلب على المشاركة الأولى التي قدمها أبو فاخر الذي اعتبر أن مواكبة الشعب السوري لكل حدث يتعلق بفلسطين دليل على أهمية عمق انتماء الشعب السوري وأهمية هذه القضية بالنسبة إليه، ورأى القيادي الفلسطيني أبو فاخر أن إحياء يوم القدس العالمي الذي أطلقه الإمام الخميني قبيل 35 عاماً بعيد انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية التي لم تقبل التسويات وحددت عدوها الأمريكي والصهيوني، كما لم تؤجل رسم سياساتها وتوجهاتها أو تختبئ خلف الشعارات، إذ يتزامن الحديث عن يوم القدس مع عدة روابط تتعلق بالصراع مع الغزاة والمشروع الأمريكي وتداعيات ذلك فيما يحدث الآن من عدوان على قطاع غزة. وتوقف أبو فاخر عند بعض المحطات في نضال الشعب الفلسطيني ضد العدو الصهيوني ليؤكد أن عزيمة هذا الشعب مازالت في أوجها لأنه شعب يؤمن بأن الإرادة تصنع القوة وهذا بنفس الوقت أوصل رسالة للعدو الصهيوني أنه أمام إرادة شعب لن ينكسر. وتوقف أبو فاخر عند قضية غزة التي احتلت الجزء الأكبر من مشاركته معتبراً أن ما يجري فيها بمثابة دعوة للأمة العربية كيلا تضيع البوصلة ولا تغير المسار وتعود لتستنهض المشروع الوطني من جديد تحت عنوان المقاومة. ولم ينس أبو فاخر بنَفسه الوطني كقائد لإحدى فصائل المقاومة الفلسطينية توجيه التحية للشعب والجيش والقيادة في سورية ومهنئاً الشعب السوري بخطاب القسم الذي ألقاه الرئيس بشار الأسد مؤخراً والذي حضرت في مضمونه القضية الفلسطينية بقوة.
دمشق لم تتهود
وأكدت المشاركة التي قدمها د. سهيل زكار على أنه بالفعل موسوعة تاريخية فقد عكست كلماته سعة اطلاعه ودقة معلوماته حيث أكد أن دراساته انصبت بداية على فترة الحروب الصليبية وفيما بعد، وبتوجيه من القائد الخالد حافظ الأسد اتجه نحو دراسة القدس لتتضح أمامه القضايا والمشاكل كما يصفها عند التعمق في هذه الدراسة. وتناول زكار تاريخ القدس خلال مرحلتين قبل الإسلام وبعده. وبالعودة إلى الحفريات بيّن زكار أن تاريخ القدس يعود لنحو 700 قبل الميلاد وفي تلك الفترة لم يكن هناك وجود أو ذكر لليهود في تلك المنطقة معتبراً أن الحديث عن اليهود بعد سليمان محض كذب وهذا ما تؤكده الدراسات العلمية. وتوقف زكار عند بعض الأمثلة عن النصوص التي حوّلها اليهود ليؤكدوا أن لهم حقاً بأرض فلسطين ووصل بالحديث إلى فترة أنور السادات ومفاوضاته مع كيسنجر والتي كانت نتيجتها إرجاع الإخوان المسلمين لمصر ودفعت سورية ثمن ذلك من دماء أبنائها في فترة الثمانينيات، والوثيقة الأهم التي تحدث عنها زكار تعود للعام 2007 وهي عبارة عن تقرير صادر عن “السي أي إيه” وكل ما جرى تحت مسمى الربيع العربي في مصر و سورية و العراق موجود في التقرير، وقال إن دمشق أثبتت عبر تاريخها أنها حملت قضية فلسطين في قلبها. من هنا فإن المسؤولية البشرية والجغرافية والأخلاقية في تحرير القدس تقع على عاتق دمشق. وطرح زكار في نهاية مشاركته فكرة حول ضرورة إنشاء مؤسسة باسم أصدقاء القدس تقوم بجمع كل ما نشر وينشر عن تاريخ القدس قديماً وحديثاً.
الحفاظ العثماني على القدس محض كذب
والمشاركة التالية كانت مع د. حسن حميد والتي ركز فيها على القدس خلال فترة السلطنة العثمانية معتبراً أن ما نقرؤه عن حفاظ العثمانيين على القدس محض افتراء والبداية كانت مع الوثيقة الفرنسية التي تضمنت رداً على شكايات اليهود في فرنسا من الاضطهاد والتي حددت المشروع الصهيوني ورسمت كل مسارات تنفيذه والذي قام في البداية على أساس الاستيطان الزراعي ليتطور فيما بعد. وساق حميد عدداً كبيراً من الأمثلة ليؤكد وجهة النظر التي قدمها حول الدور العثماني ومنها إعطاء السلطان العثماني عبد العزيز أراض مجاورة للقدس لبناء المزارع والحظائر، وكذلك منح السلطان عبد الحميد الثاني الإمبراطور غليوم قطعة أرض كبيرة تقع على جبل صهيون ليبني عليها الألمان كنيسة كما باع السلاطين العثمانيون جميع الأراضي الفلسطينية التي لم تكن مسجلة بأسماء الفلسطينيين للصيارفة الذين باعوها بدورهم لليهود.. أمثلة كثيرة قدمها حميد في هذا المجال تثبت حقيقة الدور العثماني في دعم الصهاينة في فلسطين واعتبر أن مراكز البحوث والمفكرين لم يترجموا كل ما جاء في مذكرات هرتزل التي تتضمن الكثير من الأسرار حول إسرائيل. وهنا قدم مدير الندوة د. عبد اللطيف توضيحاً أن هذه المذكرات تُرجمت مؤخراً في القاهرة على يد علي رمضان فاضل ومن الضروري الاطلاع عليها. وشدد حميد في الختام على ضرورة تحرير التاريخ العربي والمناهج المدرسية وبالتالي كتابة المشروع العربي لأن من لا يملك مشروعاً سيعمل من أجل مشاريع الآخرين.
كل ما هو طارئ إلى زوال
وبين الدكتور حسين جمعة رئيس اتحاد الكتاب العرب أن يوم القدس أتى ليذكرنا بواجباتنا في ضوء البرقيات الجديدة فضلاً عن البرقيات التي نستلهمها مما ذكره من داخل من المحاضرين كالتالي:
البرقية الأولى: الشعب اليهودي اخترع اختراعاً وليس له وجود في الأصل وكل شيء مخترع لا بد أن يؤسس لنفسه أدلة على وجوده وهذا ما قاله شلوموشان في كتابه “اختراع الشعب اليهودي” الذي تجمع من هنا وهناك وكان هذا الشعب يعتقد بشيء اسمه اليهودية ولولا ذكر القرآن لبني إسرائيل واليهود لما كان شيء يذكر عن هذا الشعب الذي لا زلنا نذكره ونعاني منه.
البرقية الثانية: كان هذا الشعب يعتمد مبدأ مستمراً والى الساعة بالفوقية والعنصرية لذلك هو شعب الله المختار وهي صفة عنصرية حتى نهاية الحياة.
البرقية الثالثة: يحتاج للكذب والتزوير والتضليل من هنا كان يصطنع هذه الأساليب أينما وجد وحل.
البرقية الرابعة: هناك شيء اسمه التوحش والإرهاب وهو صنيعة يهودية وكانت هذه الصنيعة مخترعة لتربية الصهاينة على العداء للآخر لأنه يريد الشر للشعب اليهودي وما سيرة يوشع بن نون إلا تزييف وبطلان ولكنها تعلم في مدارس اليهود لتربية التلاميذ على هذا لإيجاد يهودي يولغ في دم الآخر سواء كان مسلماً أو مسيحياً أو غير ذلك.
البرقية الخامسة: أينما حل الشعب الصهيوني وخصوصاً بعد تشكيل الحركة الصهيونية كان لا بد من تغيير الواقع الديموغرافي والطبيعي والاجتماعي والسكاني لذلك كانت الهجرة إلى فلسطين للتعديل الديموغرافي متناسين قدرة الشعب الفلسطيني على التوالد وبناء الشعب العربي الذي سيقف سداً في وجه امتدادهم وقد كانوا يحاولون تغيير الحقائق والأماكن والثقافات في كل مكان حتى في الحفريات الأثرية التي لم تؤيدهم بشيء عن طريق دفن بعض المعطيات لتأييد الرؤى التي يرونها من تهويد المنطقة وفلسطين. .
البرقية السادسة: الحركة الصهيونية لا تنسى شيئاً وتعمل على جمع كل ما يخدم أهدافها بالزمن الطويل للحصول على أي دعم داخلي كان أو خارجي ومن المعروف أن كل شيء طارئ لا بد أن يزول وعندما نؤمن أن إسرائيل إلى زوال لأنها أتت كحالة طارئة اعتمدت الإرهاب والتوحش والقتل إضافة إلى القوة المادية والناعمة للحصول على مبتغاهم في ظل تحول دولي يشترى بالمال.
ورغم قوة الاحتكارات العالمية وقوة المال فإن القوة المالية لأمريكا كما كان قبلها لبريطانيا ستزول ولكن علينا العمل على القضاء على إسرائيل بعيداً عن التمنيات كما كنا نفعل. وقد سميت القدس بمدينة داوود، لكن هذا الاسم زال لأنه طارئ وسيبقى للقدس اسمها الطاهر والنظيف والمفتوح على القيم وهنا السؤال: ماذا فعلنا للقدس وفلسطين منذ النكبة وحتى اليوم؟ الشجب والاستنكار والإدانة وما وجودنا إلا لإحداث الوعي في التاريخ والواقع لرسم الخطى نحو المستقبل ولكن لا يجوز البقاء على هذه الخطوات بل يجب إعداد العدة فصحيح أننا نستذكر أبطالنا من المناضلين مثل محمد الاشمر ويوسف العظمة وعز الدين القسام ولكننا يجب أن نفعل الفعل الحقيقي ضد الصهاينة الذين لا يريدون لنا الحياة فهل يمكن أن ندافع عن أنفسنا وهذا السؤال برسم الأنظمة العربية قبل الشعوب لأننا ما زلنا نتمسك بهم وبالتفاوض معهم لأنهم أعداء السلام رغم أن أيديهم مولغة بدم البشر، الصهاينة قد يظهرون أنهم مختلفون وهناك من يريد السلام وهناك من يريد الحرب ولكن بالتفكير ماذا يريدون؟ هل يريدون بناء دولة يهودية وتهجير أو تهويد السكان العرب والمنطقة كلها؟
لقد تحقق ما أراده هرتزل عام 2007 في مؤتمر انابوليس على الورق وما إعلان الدولة الإسلامية غرب العراق اليوم إلا إعلان لقيام الدولة اليهودية فقد بلغ التهويد كل شيء لأن الحديث يتم عن القدس الشريف بشقه الشرقي وهو مساحة ضيقة جداً لا تشمل كل القدس ونحن نريد القدس كلها كما نريد فلسطين كلها واليوم صدر قرار من الكنيست بتقسيم المسجد الأقصى بعد أن تم تقسيم مسجد إبراهيم الخليل، فماذا فعلنا في زمن الرداءة، زمن الربيع العربي؟ علينا فعل شيء للقدس بوصفها مدينة مفتوحة على الحضارة والتآخي لأنه عند التعامل مع اليهود يجب التفكير في بناء كرامة الإنسان لا هدمها كما يريدون ونتحدث أيضاً عن شعب غزة الذي علم العالم الصبر والكرامة من خلال صمود وتضحية أسطوريين لأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.
وفي مداخلة للدكتور عبد اللطيف عمران أشار فيها إلى جهود الكاتب والباحث الأكاديمي عبد الوهاب المسيري في بحثه في الظاهرة اليهودية من حيث التأسيس والمجال الثاني مجال اليهود في الثقافة الغربية وبدأ مع الإخوان المسلمين وانتقل إلى اليسار الديمقراطي وتوفي عام 2008.
عقيدة العنف والإرهاب في الفكر الصهيوني
وشارك الرفيق فؤاد عاصي عضو قيادة اتحاد شبيبة الثورة بالتذكير بمقولات لحاخامات صهاينة أمثال شلومو الياهو ويسرائيل روزين تنص على قتل الرجال والأطفال وحتى الرضع والنساء والعجائز وسحق البهائم وهو دليل على ترسخ الفكر الدموي في العقل اليهودي واشتهارهم بأكل القرابين ومزج دماء الضحايا من البشر في فطائر يأكلونها في مناسبات معينة، وقد استطاعت الحركة الصهيونية تعميق هذا الفكر والتنقل به ليكون سلوكاً عادياً وطبيعياً وشيوع هذه المفردات يتواكب مع الأيديولوجيا الصهيونية القائمة على العدوان والعنصرية وعندما نريد التعمق بما يجري في سورية والعراق وظهور الجماعات التكفيرية التي تتبنى القتل وسفك الدماء عبارة عن فكر دموي يتسلح بالقتل والذبح وهو قادر على تلوين نفسه وفقاً للمنحنى الذي يحقق بالنتيجة الحلم بإقامة دولة يهودية خالصة تحكم العالم، وكما أشار الباحثون –يتابع عاصي- فالقدس مدينة ليست كباقي المدن لأنها مدينة السلام أولى القبلتين وثالث الحرمين وحاضنة المقدسات هذه المدينة تعيش محنة تاريخية وما المحاولات الدائمة من الصهاينة إلا لتشويه حقيقتها وتزييف وجودها وتقزيم مكانتها هي والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة عند العرب والمسلمين ومحو الذاكرة وتشويه التاريخ لأنهم يدركون أن التاريخ هو أخطر نتاج أعدته كيمياء العقل لذلك مطلوب من الجميع الاستزادة بالمعرفة والارتباط بالتاريخ والأمة وخصوصاً لجيل الشباب، ولتكن ممارسات الصهاينة ومنها ما يجري في غزة اليوم عاملاً من عوامل تصليب إرادة المقاومة مستشهدين بما عبر عنه الرئيس بشار الأسد في القمة العربية أثناء العدوان على غزة عام 2008 حيث قال: أؤكد لهم بأن ما يقومون به وما يرتكبونه من جرائم حرب لن ينتج عنها إلا أجيال عربية قادمة أشد عداء لإسرائيل ومناعتها تتطور وإرادتها تتصلب بوتيرة أسرع وبشدة أكثر فتكاً من تطور قوة ترسانتهم العسكرية وهذا يعني بمعادلة واقعية أنه مع كل طفل عربي يقتل يولد مقابله عشرات المقاومين.
القدس في وجدان الشباب
أما إلياس شحود عضو قيادة اتحاد شبيبة الثورة فقد رأى أنه وعبر التاريخ كانت مدينة القدس ولا زالت تسكن روح الأمة وتصوغ وجدانها وتعكس عنفوان ومجد قادتها فلن ينسى المقدسيون ومعهم أحرار العرب والعالم مواقف تؤكد مكانة القدس مثل موقف عمر بن الخطاب وصلاح الدين الأيوبي وقبلهم وبعدهم كثيرين ممن أكدوا المكانة الروحية والإنسانية لتبقى منارة لأجيال الشباب ولعل من أولى واجبات من في مواقع قيادة الشباب ترسيخ القيم والمعاني التي حملتها ولا تزال مدينة القدس من نموذج حضاري فريد للرسائل التي بعثها الله للبشر من مآثر السيد المسيح إلى إسراء النبي محمد (ص) وأدعو كل من يشارك الرؤيا والتطلع لمكانة القدس إلى تضافر الجهود لتزويد الشباب جيلاً بعد جيل بما يعزز هذه المكانة الروحية والإنسانية النبيلة وطالما تتمتع البشرية بميزة الضمير والوجدان ستبقى القدس قدسنا السليبة وبوصلة ومعياراً لكل من يدعي الإيمان والعروبة والإنسانية.
ثم كانت هناك مداخلات حول دور اللجان التي شُكلت لدعم القضية الفلسطينية والقدس بالتحديد من السادة رشيد موعد ومحمد بكور.
جلال نديم صالح – مرهف هرموش