ثقافة

“مباشر من جزيرة المونتاج”..الصورة التكنولوجية في بناء النص الشعري

احتفل ملتقى أضواء المدينة في لقائه الرابع والثلاثين بتوقيع المجموعة الشعرية الثالثة للشاعر عمر الشيخ “مباشر من جزيرة المونتاج” حيث تفصح المجموعة عن مكنوناتها عبر غلافها المنتقى بحرفية تناسب روح النصوص عبر لوحة للفنان الفرنسي خوسيه لوبيز تحكي عن التكنولوجيا وفوضاها في حياتنا بعد أن اقتحمت كل تفاصيلنا.
قسّم الشيخ مجموعته لأربعة أقسام بعناوين فرعية “أرشيف الوحشة” و”السرير على حطة جسمك” و”ريبورتاج من المقبرة” والقسم الأخير الذي استوحى اسمه من فوضى الحياة الافتراضية “ستاتوس” وهذه الكلمة مأخوذة كما هي من اللغة الإنكليزية وتعريبها “حالات” وهي تستخدم على جدران الفيس بوك. النصوص في مجموعة الشيخ الجديدة “قصائد تكنولوجية” هذا ما يذكره في نص “انتقل إلى رحمة الكمبيوتر”، وهو ما يمكن أن نعرف به أسلوبية الشاعر التي تعتمد على لغة سردية مليئة بالصور الشعرية المبنية على مفردات تقنية حديثة تفاجئنا كثيراً ولا نتوقع وجودها في نص شعري، لكن الشيخ استطاع شعرنتها وتوظيفها بما يناسب القصيدة وكأنه يضع قاموسه الشعري الجديد. يقول في نص “ما شئت من الشهوات”: لا يمكن أن\ أنظف روحي\بالمكنسة والماء.\لا يمكن أن\أشطفها بالليفة\والصابون المعطر،\حتى إذا اسودت حوافها \ لا أستطيع دعكها\ بفرشاة السجاد والكلور\لأنها لا تداس..\
يعتمد الشاعر أيضاً على التفاصيل الزمانية والمكانية المرتبطة غالباً بأماكن لا تبتعد عنا كثيراً في دمشق، وربما نراها كل يوم لكنه أغرقها بالحالة الشعرية، وهذا ما يجعلها تحيد عن القصة فغالبية النصوص نجد فيها حدثاً رئيساً بنيت عليه كم نجد الشخوص والحوارات أحياناً، هذا الارتباط أيضاً ظهر في مجموعتيه السابقتين وكأن الشاعر مصر على إقحام المكان والزمان في نصه للحفاظ على ذاكرة كل نص. يرسم الشيخ صورته الشعرية بحرفية عالية بعيداً عن الاستسهال فيفاجئك بالتركيب القوي للصورة المباشرة إذ يستغني عن أداة التشبيه ويعتمد على المباغتة يقول في “يقذف جراثيم ذكرياتها”: اقطعها من الطرفين\لو سمحت.\ أجاب: أمرك، سأقطع\ التذكرة كثيراً؟\ سأقطع كل شيء\ من كل الأطراف..\سأقطع التذكرة وتنفسي..\ثم سأرفع للعالم بطاقتي الحمراء\ وسأطرد كل فريق حروفي خارج قانون التفعيلات..
لقد كتب لي الشيخ عندما أهداني مجموعته “دعنا نضحك مع هذا الكتاب” لا شك أن الإهداء يحمل الكثير من المواربة كيف لا ونحن أمام فصل بعنوان “ريبورتاج المقبرة” ففي هذا الفصل ليس عسيراً أن نلتمس حالة الحزن التي تغمر النصوص وصاحبها فنرى مجمل النصوص موشحه بالانكسار والضعف وقد شربت من ماء الألم الذي يسيل بين السطور، يقول الشيخ في قصيدة “ماء الآخرة المرعب”: بكى بشكل جيد \ عند قبر أمه \ سيراميك القبر موصّى به\ كانت تحب النظافة\ لكن،الموت بشع!
والشاعر الذي حاصره الألم يهرب منه مستعيناً بالأنثى التي تعددت، ففي كل نص تتلمس ملامح أنثى ليست هي ذاتها في النص السابق وكأنما أراد أن يعشق المدينة من عيون حبيباته اللواتي يعشن معه في تفاصيل حياته، وهذا العاشق المغمور بلذة الحب ونشوة الجسد لا يذكر وصفاً محدداً لحبيباته بل كل ما يصفه هو حدث وقع بينهما في حضور المكان والزمان. يقول في نص له غير معنون من فصل “ستاتوس”: حبيبتي \ تعد ورود الحديقة هذا الصباح، قالت لدمشق:\سأخطف عينيك وأجرف قلبك بشفاه حبيبي..\ وسأكون مدينته أكثر منك..\ وهو سيصبح نافورة شعر على جسدي..
أصر عمر الشيخ على وضع تاريخ كل قصيدة وأحياناً يرافقه المكان ومرات الفصل الذي كتبت فيه وكأنما يحاول مد جذور النص عند المتلقي وإقحامه في المكان حيث تنتقل القصيدة من “باب توما” إلى “الميدان” و”نهر عيشة” و”داريا” و”ساحة الشهبندر” و”ابن عساكر” صيفاً وشتاءَ وقد كتبت جميع النصوص بين عامي 2009 و2010 .
“مباشر من جزيرة المونتاج” المجموعة الثالثة للشاعر عمر الشيخ تقع في 88 صفحة من القطع المتوسط  صادرة عن دار التكوين في دمشق لعام 2014، صمم الغلاف باسم صباغ واللوحة للفنان الفرنسي: خوسيه لوبيز.
خضر مجر