ثقافة

هدى وسوف توثق الألم السوري في “تفاصيل الغياب”

أقامت الكاتبة هدى وسوف حفل توقيع لروايتها الجديدة “تفاصيل الغياب” في المركز الثقافي في اللاذقية بحضور لفيف من الأصدقاء والزملاء الكتاب والمهتمين، وأعلنت الأديبة خلال الحفل أن ريع الكتاب يعود لعدد من جرحى الجيش العربي السوري.
“تفاصيل الغياب” رواية سورية بامتياز، تدور أحداثها في اللاذقية التي استوعبت أضعاف عدد سكانها خلال الأزمة، وتوثق للمشاعر الحقيقية وليوميات المجتمع قبل الأزمة والتغيرات التي طرأت عليه بعدها، وأساليبه الدفاعية العفوية لمتابعة حياته اليومية، وتوثق لعدد من الحوادث والمجازر التي ارتكبت بحق أبرياء في ريف اللاذقية، وتنقل وجهة نظر الشعب السوري، وبذلك تكون الكاتبة قد وظفت الأدب بأهم مكامن قوته، فالأدب أهم وأصدق حالة وثائقية تؤرخ للمجتمعات على مر العصور، ومن وجهة نظر ابن البلد وما أخطر أن يكون ابن البلد كاتبا!
“أحيانا أحسدك يا “عمار” لأنك لم تعرف ماذا حل بالبلد، ورحلت قبل أن يدخل إلى سورية المجرمون الذين لقبوا أنفسهم بالمجاهدين من كل أصقاع الأرض، ليجاهدوا بقتل الأطفال واغتصاب النساء، وقطع الرؤوس وهم يهللون..الله أكبر..الله أكبر..ولم تسمع بجند الشام وجبهة النصرة ولواء الإسلام وفصائلهم الأخرى، ولن تصدق أنهم أفغانستان وشيشان وألمان، وأنهم عرب من دول شقيقة دخلوا مدججين بأسلحة إسرائيلية وأمريكية، فاستباحوا الحرمات ودمروا وخربوا بوحشية كل مظاهر الحضارة والعمران والحياة التي شهدتها سورية على مدى سنوات”.
“على الشارة يقترب مني طفل، يمنحني جريدة وحزنا وأسى، وأمنحه ابتسامة ونظرة حب دافئة وددت لو أنسج منها رداءا لجسده الصغير”.
كل ما نقرأه في القصة من يوميات اللاذقية الحضن الدافئ يأتي على خلفية قصة حب تعيشها البطلة على البعد، مع حبيبها الذي لم يمتلك جرأتها فهاجر، وترك لها الوطن جريحا تكفكف دموعه، وتتمسك بكل نفس فيه وكل شبر أحبته وكل لحظة عاشتها فيه بقرار واضح وجريء.
“قلت له إنه مكاننا، ابق هنا وسنعيد ترميمه وصياغة ألقه ليعود كما كان جميلا وبهيا، كيف تريدنا أن نرحل ونترك لهم الأمكنة التي نحبها”؟!
وتشير الرواية إلى اللحمة الوطنية والأخوة بين الطوائف المختلفة قبل الأزمة وخلالها وكيفية تماسك المجتمع، مشيرة إلى التنوع والتشابه في المعتقدات لدى جميع الطوائف.
“يستند بيتنا على جدار الكنيسة، كنيسة الروم الأرثوذوكس، في حارتنا التي تسمى حارة المسيحيين، لأن الغالبية فيها من الطائفة المسيحية، وخلف بيتنا في الحرش هناك مقام “الشيخ صبح” الذي يقول المسيحيون أنه يخصهم وهو “القديس ماما” ودوما يذهبون لزيارته معا، كنت أرافق أمي التي تذهب برفقة أم إلياس وأم حنا، وأراهن يشعلن الشموع الصغيرة يغرسنها في الرمل الناعم، تتلو كل واحدة منهن صلاتها التي كنت أتلوها أنا أيضا وأحبها وأقرأها في اللوحة المعلقة على الجدار أمامي بالموازاة مع قراءة الفاتحة (أبانا الذي في السماوات فليتقدس اسمك…)”
جعلت الكاتبة التي تروي على لسان البطلة للحب في القصة مدى أوسع مما نعرف، وجعلت بطلتها تتبادل الحب مع الحبيب عبر الكون، ولقائها به  بمثابة وعد جار لحيوات أخرى معتمدة على فكرة التقمص، مستفيدة من وقت الانتظار لتسرد تفاصيل الغياب، التي يجعل منها موعد اللقاء وقتا ممتعا مهما طال، ويوفر الحب كطاقة تجعل لحياة البطلة وسط كل تلك المآسي معنى وغاية.
“يومها كان بإمكان أي امرأة أن تسافر ليلا لأية مدينة وأن تعود ليلا وفي أي ساعة، يومها كان الأمان عنوانا للبلد والناس”.
مثل إخطبوط عملاق راح الموت يمد أذرعه الطويلة، وينشرها في زوايا الوطن وشوارعه، يفتش عن فرحة يغتالها، يرسل قذيفة هاون إلى منطقة سكنية فتصيب منزلا، تموت الأسرة وضيوفها، يتصدر الخبر العاجل الشاشة باللون الأحمر ونسارع لنقرأ، ستة قذائف أطلقها الإرهابيون على جرمانا، أدت لمقتل شهداء من بينهم أطفال..وتختصر مفردة ماتوا كل بشاعة الموت وآلام الذين احترقوا وتحولوا إلى رماد وأشلاء..”
حلا خيربك