ثقافة

“أوركسترا ماري ” تثبت حضور المرأة السورية في الحرب والسلم

“الموسيقا ملجأ النفوس المريضة بالسعادة”- كما قالت أحلام مستغانمي- كانت الأرواح متعطشة إلى جماليات روحية تلامس شغاف قلوبنا وتتسرب إلى دواخلنا ،تبعدنا عن شبح الخوف وتتبع أخبار القذائف العشوائية والاشتباكات العنيفة ،الحضور الكبير للموسيقيين بشكل خاص ولشرائح متعددة من المثقفين والمتذوقين والمهتمين، الذين جاؤوا إلى الأوبرا ليصغوا إلى أوركسترا ماري التي أظهرت قوة حضور المرأة السورية في زمن الحرب والسلم ،وأثبتت مهارتها بأدائها وعشقها الآلة التي تحتضنها أو تلمسها بأصابعها أو شفاهها دليل قاطع على عشق الشعب السوري للجمال والحبّ ونبذه العنف والتدمير.
وتشكّل عودة أوركسترا ماري التي تأسست عام 2006 كأول أوركسترا سيمفونية نسائية في منطقة الشرق الأوسط ضمت 60عازفة- نصفهن ملتزمات بالعزف فقط في هذه الأوركسترا- نقطة انطلاق لمشروع أكبر وانضمام مزيد من العازفات السوريات ليصل عددهن إلى 72 عازفة ،ووجودها يعدّ تطوراً فكرياً وحضارياً واجتماعياً وثقافياً رغم كل تبعات الأزمة وانعكاساتها، وتعتمد هذه الأوركسترا ضمن خطة برامجها على اختيار مقطوعات موسيقية تحاكي الناس وتكون قريبة من أذهانهم ،لتصل إلى حوار مشترك معهم من خلال مقطوعات الفالس والمارش والمتتاليات، وعبْر تماوج الألحان تميّزت (القيثارة) الهارب الآلة الفرعونية المتميزة بنغماتها الرومانسية التي تنقلنا إلى عالم الحلم الغافي بين ثنايا قلوبنا بأوتارها العمودية ،وعلا صوت آلة الفلوت الرقيقة التي تشبه تغريد العصافير الهائمة في سماءات الربيع وشطآن المدّ الأزرق ،ونجحت أوركسترا ماري بقيادة الموسيقار رعد خلف -الذي عصف بداخله اجتياح العراق وشهد نزاعات الحرب الأهلية في لبنان والعنف الذي نشهده الآن ،وقاد عدة أوركسترات منها الفرقة السيمفونية الوطنية السورية ،وألّف الموسيقا التصويرية لمهرجانات عالمية وساهم في إنجاح الدراما العربية والمحلية بموسيقاه ،وأعدّ بحوثاً موسيقية- بتقديم خطاب موسيقي متماسك مشحون بالانفعالات والعواطف وبإيحاءات صوتية تصاعدية لمستويات متتالية ،لاسيما في مقاطع تداخل الآلات الإيقاعية لفرقة بيركومانيا بقيادة سيمون مريش مع آلات الأوركسترا.
بدأت الأمسية بفالس “من باليه الأميرة النائمة” لتشايكوفسكي ،ومن ثمّ افتتاحية أوبرا “سلم حرير” لروسيني ،لكن الجمهور تفاعل أكثر مع ألحان شتراوس لفالس “أصوات الربيع” الذي أعاد إليه صفحات روايات الحبّ العالمية ومشاهد أشهر الأفلام السينمائية فبدأت آلة الفلوت التي تحاكي صوت العصافير تتبعها الألحان المرحة الراقصة التي اعتمد فيها المؤلف على صوت السوبرانو.
ولشغف خلف وولعه بالموسيقا التصويرية للأعمال التلفزيونية والسينمائية، قدمت الأوركسترا مقطوعات من الموسيقا التصويرية للمؤلف الأمريكي جون وليامز الذي حاز خمس مرات على جائزة الأوسكار، وألّف موسيقا أشهر الأفلام العالمية مثل “هاري بوتر” وسوبرمان والفك المفترس ،وبعدها أفرد خلف مساحة للغناء الإفرادي مع المغني الأوبرالي جوزيف ترتريان الذي شارك في مهرجانات عالمية ويغني بعدة لغات (الإنكليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والأرمنية والعربية) فغنى “طريقتي” والتي تعني أن يعيش الإنسان وفق ميوله وأهوائه وإحساسه بالحياة دون خوف ومشاركته مع الموسيقار خلف هامة جداً لأن قيادة الأوركسترا من قبله والتآلف بين الآلات والانسجام بين العازفات ساعد على إنجاح أدائه.
وكانت مفاجأة الحفل العمل الموسيقي “أوغاريت..لحن ورقصة” الذي يستند إلى اللحن المكتشف على الرُقُم الأوغاريتي للباحثة آنا كيليمر تأليف رعد خلف، الذي سُبق بنغمات القيثارة لتتداخل الأصوات الصاخبة للآلات الإيقاعية لفرقة بيركومانيا المتصاعدة وصولاً إلى رقصة احتفالية.ما يؤكد على أن الحياة جميلة مع الموسيقا التي ترافقنا في أحزاننا وانكساراتنا وليس فقط في أفراحنا كما قالت أحلام مستغانمي: “أيتها الحياة دعي كمنجاتك تطيل عزفها”.
ملده شويكاني