“تكيف طفل المدرسة مع الوسط المحيط”.. تأكيد على أهمية دور الأسرة في التنشئة
“طفلي عنيد ولا أعرف كيف أتعامل معه، طفلي مدلل لا يتقبل المدرسة، طفلي أناني لا يتقبل أن أهتم بغيره .. هذه العبارات وغيرها، كثيراً ما نسمعها في حياتنا اليومية، حيث نقف أحياناً عاجزين أمام أطفالنا لا نعرف كيف نتعامل معهم” بهذه الكلمات التي تضع يدها على ما يواجهه ويعاني منه الأهل في كل مكان وزمان بدأت المحاضرة التي أدرجت ضمن نشاطات المركز الثقافي في ضاحية قدسيا والتي ألقتها الباحثة غدير عدوان تحت عنوان “تكيف طفل المدرسة مع الوسط المحيط ” ضمن جو تفاعلي أضفى على المحاضرة متعة وجاذبية، لاسيما أن أغلب الحضور كانوا من الأمهات اللواتي ينبغي عليهن معرفة بعض التفاصيل التي تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على تكيف طفلهن مع محيطه، فهن بناة الأجيال والأطفال. ولفتت عدوان إلى أن بعض الأطفال يسهل عليهم تقبل التغييرات ويستطيعون التكيف مع الوسط الذي يوجدون فيه، في حين أن بعضهم الآخر يجد صعوبة في ذلك، ويوصف هؤلاء بأنهم سيئو التوافق مؤكدة أن التكيف حاجة أساسية للطفل لا غنى له عنها، فالكائن الاجتماعي بطبعه لا يستطيع أن يعيش بمفرده ومن ثم فإن وجوده مع الجماعة يفرض عليه الامتثال لقوانينها ومعاييرها أي التكيف معها فوجوده ضمن الأسرة يفرض عليه التكيف مع الأسرة ووجوده ضمن المدرسة يفرض عليه الامتثال لأنظمتها.
التكيف ومحدداته
وأشارت عدوان إلى المعنى اللغوي للتكيف فهو لغوياً يعني جعل الشيء على كيفية معينة،أما في لغة علم الاجتماع فيعني الطريقة التي يعدّل بها الفرد سلوكه واتجاهاته لكي يحقق الانسجام المطلوب بحيث يشبع حاجاته ويلبي متطلبات بيئته، وله معنيان الأول أن يغير الفرد سلوكه والثاني أن يقلع عن سلوك تعلمه. وأرجعت عدوان التكيف بشكل أساسي إلى محددات التكيف، وهما عاملان أولهما يتعلق بالشخص نفسه (عمره،مستوى ذكائه، خبراته، صحته الجسمية )فالأطفال الأكثر سناً أكثر قدرة على التكيف،أما الذين يعانون من إعاقات جسدية أو عقلية يجدون صعوبة في التكيف والثاني يتعلق بالظروف الخارجية (الأسرة، المدرسة، الظروف الاقتصادية، العوامل الدينية، الحروب والصراعات).
تأثيرات الأسرة
ولأننا لا نستطيع الإحاطة بجميع الظروف الخارجية سنكتفي بالتركيز على الأسرة- كما أوضحت عدوان- فهي في حقيقة الأمر أكثر ما يعنينا في علاقتنا بطفلنا لأنها المكان الأول الذي يعيش فيه الطفل وينهل من قيمها ويتقمص أدوار شخصياتها واتجاهاتهم، وبالتالي فإن لها التأثير الأكبر على قدرة الطفل على التكيف مع الوسط المحيط، وذلك من خلال عدة عوامل أحدها نبذ الطفل وكل أشكال الرفض التي يتعرض له، فالفتاة التي تشعر أنه غير مرغوب بها في أسرتها ستضعف ثقتها بنفسها ما يؤثر على تكيفها مع محيطها، وكذلك الحماية الزائدة فالطفل الذي يحظى برعاية ودلال كبيرين سيصعب عليه تقبل المدرسة والامتثال لقوانينها، أيضاً أسلوب الثواب والعقاب فالطفل الذي ينتمي إلى أسرة تقوم تربيتها على العقاب القاسي يكون طفلها أقل قدرة على التكيف من الطفل الذي ينتمي إلى أسرة يسودها الحب والحنان، بالإضافة إلى القيم والمعايير المقبولة في الأسرة، فالطفل الذي ينتمي لأسرة لا تنمي قيماً إيجابية سيجد صعوبة في وسط يلتزم بتلك القيم، وعلينا ألا ننسى أن للتفكك الأسري دوره المؤثر أيضاً فمن ينتمي لأسرة مفككة سيجد صعوبة أن يثق بالآخرين ومن لا ينتمي لأسرة تقوم على الحوار والتفاهم سيكون عدوانياً ولديه ضعف في تقدير الذات.
أساسيات الطفل
ولأن العبء الأكبر يلقى على عاتق الأسرة كان عليها أن توفر للطفل بيئة محبة دافئة ورعاية متكاملة، وقد ذكرت عدوان أنه من الضروري أن توفر الأسرة للطفل مجموعة من الأساسيات وهي الحب والتقبل وأن يشعر بأنه يحظى بقبول والديه، ما يعزز ثقته بنفسه وقدرته على التكيف، كذلك توفير احتياجاته الأساسية دون إسراف أو حرمان، ما يشعره بالقوة والأمان ويبعده عن الغيرة دون أن يقتصر الأمر على المستلزمات المادية، وأيضاً على الأسرة احترام الطفل فمن الضروري أن نشعره بأنه شخص محترم وتؤخذ آراؤه خاصة بكل ما يتعلق به كألعابه وملابسه ومحاورته مهما كان عمره ما ينمي قدرته علىالكلام وأن نشعره بالأمان في منزله عبر معايير ثابتة بعيدة عن التذبذب، يفهمها الطفل مع التركيز على أهمية التقدير والتشجيع عند قيامه بشيء إيجابي مثل استخدام عبارات “أنت طفل ذكي ومتميز وغيرها..”.
أساليب التكيف
وتطرقت عدوان إلى أساليب التكيف التي تنقسم إلى أساليب سوية وأخرى غير سوية بالإضافة إلى مجموعة أساليب هروبية تتجسد بعدة أشكال منها الانسحاب من الموقف بالعزلة والسلبية، فالطفل يصبح جباناً عندما لا نترك له الفرصة ليعبر ويدافع عن نفسه، أو بالنكوص وهو عودة الطفل إلى أساليب طفولية ليجذب الانتباه إليه أو بأحلام اليقظة التي تحقق له رغباته، وهناك أيضاً الأساليب الدفاعية كالتبرير الذي يلجأ إليه الطفل عندما يعاقب بقسوة، أو الكذب بسبب عدم التعامل معه بصدق أو السرقة بسبب حرمان الطفل وعدم الاهتمام به، أو بتحول المشكلات النفسية عنده إلى مرض عضوي.
لوردا فوزي