عشاق الحرف العربي وأصحاب الأنامل الموهوبة في ملتقى الخطاطين السوريين
في ظل انتشار التكنولوجيا ولجوء الأفراد إلى الأحرف الالكترونية كبديل عن الكتابة بخط اليد، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي تعبّد الطريق لكل المبتعدين عن تراثهم العريق المتمثل في خطهم العربي، تراجعت المعرفة بالخط العربي وأنواعه وحتى باستخدامه، ولم يعد للخطاط مكانته السابقة حتى أن وجود متحف للخط العربي بات أمراً مستغرباً ومجهولاً من البعض، لذا فإن إعادة أحياء الخط العربي أصبحت ضرورة ملحة تحمل في طياتها المحافظة على هويتنا، وجاء ملتقى الخطاطين السوريين في متحف الخط العربي الذي أقامته مؤخراً مديرية الآثار والمتاحف بالتعاون مع المعهد التقاني للفنون التطبيقية، فرصة لكل عشاق الحرف العربي وأصحاب الأنامل الموهوبة، فالملتقى الذي يستمر لثلاثة أيام ضم معرضاً لبعض مشاريع تخرج طلاب المعهد بالإضافة إلى ورشة عمل لطلاب على أبواب التخرج، يشرف عليهم أساتذة المعهد وفنانين متطوعين حريصين على بقاء الخط في أوج تألقه،وأوضحت مديرة متحف الخط العربي الباحثة إلهام محفوض لـ “البعث” أن هذا الملتقى هو تكريس لجهود الطلاب والخطاطين من خلال التقاء نشاطات جهات مختلفة يتم فيه عرض نماذج متعددة لأعمال تناولت كل أنواع الخط العربي، كخط الثلث والفارسي والديواني والكوفي والنسخ بالإضافة إلى كتابات من القرآن الكريم وحكم وأمثال، وهو وسيلة للتعريف بالخط وطريقة رسمه من قبل الخطاطين مباشرة أمام الزوار وفرصة تؤكد عروبتنا وانتماءنا لسورية مهد الحضارة والأديان.
موقعاٌ للتفاعل والحياة
كما لفتت محفوض إلى أنه خلال الملتقى يتم التعريف بالمتحف (المدرسة الجقمقية سابقاً) وبمكانه وأهميته، فهو أكثر مكان مؤهل لعرض النماذج الحروفية، لاسيما أنه قدّم المواد والمكان الجميل الذي يعتبر بحد ذاته معرضاً قائماً ومستمراً، فهو غني بالكتابات الزخرفية والحروف العربية، ومن خلال هذا التفاعل لا يبقى المتحف بناءً جامداً، بل موقعاً للتفاعل ومصدراً للحياة. وعن دور المتحف في إحياء الخط العربي رأت محفوض أن المتحف هو مركز ثقافي يقوم بتوصيل المعطيات الحضارية التي يمثل الحرف العربي سرها، فعلى مر الزمان كان هناك اهتمام بالخط العربي وجماليته، وتمنى الكثيرون أن يتقنوه وتغنوا به، والمخطوطات العربية التي وصلت لأوروبا كُتبت به، وعلى الجيل الجديد توثيق علاقته بالحرف العربي والاطلاع على جماله، فهو الوعاء الذي يحتضن ثقافتنا وتراثنا وعلينا في هذه الفترة المليئة بالتحديات أن يقوم كلٌ بدوره في المحافظة على الهوية والاهتمام بالخط العربي.
ربط تاريخي وتراثي
من جانبها أشارت رئيسة قسم الخط العربي والوكيلة العلمية في المعهد التقاني للفنون التطبيقية ندى دوبا أنه للعام الثاني نقوم بالمشاركة مع مدرسة الخط العربي بنشاط يلتقي فيه الفنانون وطلاب القسم، مع العلم أنه القسم الوحيد في سورية الذي يدرّس الاختصاص أكاديمياً، وهذا اللقاء يرفع سوية طلابنا بالإضافة إلى ربط المدرسة الجقمقية كتاريخ وتراث في دمشق القديمة والخط العربي، لما له من تاريخ ثقافي وإسلامي وهذا الربط هو رسالة لكل من يدمر تاريخنا وتراثنا.
طابع أًصيل
ونوّه مشرف الفعالية والأستاذ في المعهد طارق السواح إلى أنه تم التركيز من خلال الملتقى على التعريف بالمدرسة السورية للخط وهي مدرسة عريقة، بالإضافة إلى التعريف بمتحف الخط العربي والتي لاحظنا من خلال وجودنا بين الناس أن الأغلبية لا يعرفون بوجوده، لافتاً إلى أن ورشة العمل التي تقام في الملتقى تركز على الأًصالة، فنحن نقدم لوحات خط عربي ذات طابع أًصيل بعيداً عن الحداثة، لافتاً إلى أن هذا الملتقى ولّد رغبة لدى زائريه بالمشاركة وتجريب الأنواع المختلفة للخط واستخدام أدواته، وهو يفتح المجال لكي يعمل الطالب أمام الجمهور بدون حواجز ويطور عمله، مشيراً إلى أن الملتقى سيعتمد في كل يوم من أيامه على تقنيات جديدة مختلفة للخط.
روح الإنسان
ولفت الخطاط المتطوع كمال الكردي والمشارك بثماني لوحات خطية أن الخط العربي هو أكثر من هوية وتاريخ، هو روح الإنسان العربي وقوته، والملتقى ما هو إلا طريقة للحفاظ على التراث والأصالة وللتعريف بالمتحف ورؤية ما يحتويه. كما رأى الباحث في المخطوطات عدنان الجوهرجي أن هذا الملتقى يثقف الخطاطين ويزيد من خبراتهم، فالخط العربي مرتبط باللغة العربية والترقيم والإملاء والفن التشكيلي، وله علاقة بالتاريخ أيضاً موضحاً أن على كل خطاط أن يدرس الخط من الجوانب العلمية عبر دراسات متعلقة بعلوم مختلفة، كذلك اعتبر محمد مأمون الموصللي وهو أحد زوار الملتقى ورواد المتحف أن هكذا نشاطات هي بمثابة صحوة وإنعاش للخط العربي.
طلاب ومشاركات
ورأت الطالبة من قسم الخط العربي ميساء حمادة التي نفذت بوستراً إعلانياً كتبته بالخط الديواني عن سورية الأم التي احتضنت كل الشعب السوري، وعبّرت عن ذلك باستخدام أحرف إنكليزية وعربية، رأت أن مشاركتها فرصة لكسر حاجز العمل مباشرة أمام الجمهور، كذلك اختارت الطالبة سهام الجبان أن تكتب عبارة “دمشق التاريخ” بخط الثلث معتبرة أن الشخص عندما يبدأ بالكتابة يندمج مع ما يؤديه وينسى وجود من حوله.
لوردا فوزي