ثقافة

اللغــة العربيــة بين الدال والمدلــول هل العلاقة بين الدال والمدلول علاقة ضرورية طبيعية أو تحكمية؟.

كثرت القراءات والدراسات المتخصصة باللغة العربية، وعليه دارت مفردات بحث رئيس فرع اتحاد الكتّاب العرب بطرطوس محي الدين محمد في المركز الثقافي العربي  بطرطوس حول علم الدلالة محاولاً الغوص في فلك تطبيقاته التي رصـد منها الجوانب الدلالية عند العرب والتطور الدلالي الذي آلت إليه اللغة العربية، وذلك وفق منهج ترجع أوليات التفكير في أصوله إلى الأسلاف بما يمثّل خطوةً رائدةً في العمل الدلالي.
ينطلق الباحث من مسلّمات الإعجاز البلاغي في اللغة العربية وعلاقة هذه الأخيرة بالهوية واعتبار الحرف العربي يُحاكي الطبيعة، وفكرة “المحاكاة” التي “تُعنى بالتقريب بين الدال والمدلول عليه إلى حد المطابقة بينهما” جوهر البحث وناظمه.
وربّما  لا يمكن استمرار المحاكاة في مجموع اللغة وعلى نطاق واسع فيها، بل إنّ وجوده محصور في نطاق ضيّق جداً، وإنّ الكلمات التي نستشفّ فيها مبدأ المحاكاة قد تختلف من لغة إلى أخرى، وهذا يناقض مبدأ دلالتها الطبيعية على معناها.
وفي ضوء ذلك يقول:”بهذه المعاني  نتعرف على أداء اللغة الشفاف ونفهم أن المفردة في أي نص لا تتغير إلّا إذا  اقتضى التكوين الصوري والرمزي وما بينهما من مخبوءات واحتاجت كلها إلى التوضيح  بقصد الإمساك بالمعاني حتى لا يقع أحدهم فريسة المحاكاة والتقليد الأعمى”.
وفي صميم هذا الوعي حاول السعي إلى مفهوم نظري وتطبيقي لمقاربة هذه العلاقة، مهتدياً بما ورد  لدى الدراسات النقدية والأدبية عند العرب وغيرهم، وحاول في بحثه الإفادة منها دون أن يكون هدفه الرد عليها،أو تعقبها.
وفي جدل الإنسان العربي مع بيئته ينحاز المحاضر في تقصيه «دواعي التفكير اللغوي العربي»مبتدئاً بـ “المنحى الانفعالي”،”وممّا جاء في المأثور أن الله سبحانه وتعالى، أول ما خلق من آدم رأسه، وكان ذلك عند الظهيرة، وفي وقت العصر نظر آدم إلى جسده، وقد بقيت رجلاه، فاستنفر لسانه، وقال: يارب عجّل ببناء جسدي قبل مجيء الليل..”، ومن هنا يعتبر “اللغة حالة من التفكير الوجداني يحمل علاقات معرفية مستقلة تتجاوز مستوى الشخص الذي يود الاطلاع على الأسئلة التي يطرحها، فلديه الإمكانيات للإجابة عنها حين يحرر نفسه من اللغة، وهذا بدوره يسعفنا في معرفة أحوال التشابه والاختلاف الذي قد يخدعنا أحياناً كالفعلين ..اضطلع- اطلع”.
ولكن لماذا أغفل الباحث بحوث ما “وراء اللغة”، عندما ذهب “الرازي” إلى أنّ الألفاظ وضعت من أقوام قبل آدم عليه السلام..؟.
ومهما يكن من أمر”فإنّ معطيات هذا البحث كلّه ينبغي أن تُعالج ضمن إطار العصر الذي ظهرت فيه، أي توضح ما كان وما هو كائن وما سيكون، فالنّاس كانوا ما يزالون يربطون بين اللغة العربية والوحي الذي نزل بالقرآن معجزة الرسول الكبرى، لذلك لم يكن مستغرباً أن نجد أئمّة العربية يكادون يطبقون على أنّ اللغة إلهام وتوقيف،لأنها ارتبطت بالأنبياء والمرسلين، بل بالعالم الآخر حين خلق آدم”.. وهنا يلتقي المحاضر مع أصحاب هذه الدلالة.
وعلى الرغم من الشك فقد نبّه الباحث إلى الناحية الاجتماعية والعوامل الخارجية الفاعلة في تطور المعنى، وحيث قدّم  خير دليل يبيّن طبيعة العلاقة بين الدال والمدلول ويحسم الموقف إن كانت ضرورية أو تحكمية. ولذلك يحدد في نهاية بحثه بوصلة “الطريق إلى الكتابة”، وعلى أهمية هذا وفي هذا الاتجاه  نقع في لعبة الدال ولا يمكن للمرء أن يجزم بمدلول مفرد متعالٍ ثابت.
وبهذه الدلالة المضيئة يسير الباحث، فهي عنده عملية انزياح دلالي مستمرة، وممارسات إجرائية في الشكل والمضمون معقّدة، وليست صورة جامدة ومجردة.
“وهنا يصبح لزاماً علينا أن نشير إلى ما انتهى إليه قائل: نظرية النص يمكن أن تقترن فقط بممارسة ما للكتابة”.
وصفوة القول ما ورد على لسان الشريف الجرجاني من أنّ الدلالة:”هي كون الشيء بحاله يلزم مع العلم به العلم بشيء آخر، والأوّل هو الدّال والثّاني هو المدلول”.
ويبقى السؤال الذي يتبادر للذهن: من الذي يقود الآخر: اللفظ أم المعنى؟.
أحلام غانم