ثقافة

حياء عام!

بشرى الحكيم
تسببت رواية” استخدام الحياة” في جزئية منها هو “الفصل الخامس والعشرون” في محاكمة صاحبها إثر بلاغٍ من قارئ! بتهمة صادمة “خدش الحياء العام” فأقامت دنيا المبدعين وحماة حرية الإبداع ولم تقعدها حتى اليوم.
الرواية بحد ذاتها مرت مرور الكرام إثر صدورها، لم تحظ بانتشار يذكر ولم تثر اهتمام جماهير الكتب والروايات، ولم يتفاعل القراء معها إلا بعد صدور الحكم، وذيوع حيثيات التهمة، وذلك بعد أن نشر الفصل المذكور في جريدة تعنى بأخبار الأدب والإبداع؛ وهو ما جعل الرواية تحتل صدارة اهتمامات الجمهور المصري على الإنترنيت في الصالونات الاجتماعية والأدبية وفي مواقع التواصل الاجتماعي؛ وبات أشد ما يثير فضول الجميع هو البحث عن جواب لسؤال: ما الشيء الذي يمكنه خدش حياء عام في هذا العصر المجنون؟ بينما تدّمَر بيوت فوق أصحابها ودول بأكملها دون معاقبة مرتكبيها؟ الأمر الذي تسبب برفع نسبة عمليات البحث عن الرواية على محركات البحث الالكترونية أضعافاً مضاعفة؛ إن لم يكن للاستمتاع بالكتاب كاملاً فإنما للاطلاع على “الجزء الذي مس حياء الشارع” وتسبب بسجن صاحبه.
ليست الأولى التي استخدمت فيها عبارات فجة ومخلّة في أعمال إبداعية، وهي أتت  في كتابٍ؛ اقتناؤه أمر اختياري، ليس مادة صحفية يومية، وليس فيلماً يستهوي الشباب في انطلاقتهم الأولى، أو مسلسلاً يعرض على شاشة تشاركنا جلساتنا وسهراتنا كباراً وصغاراً، والبرامج التي تعتمد الإثارة المخفية والمبطنة تحتل الصدارة وتحظى بأعلى نسب مشاهدة.
معلوم أنه سبق لعديد من الكتب أن تم منعها من التداول  منها رواية “ميترو” التي تم تغريم صاحبها ومصادرة جميع نسخها المطبوعة، وهي عبارة عن قصة مصورة تروي حكاية شاب مصاب بالاكتئاب يفشل في عملية سرقة ويتم إلقاء القبض عليه؛ والحوار يجري باللهجة العامية وبعبارات يتم تداولها في الواقع وفي الحياة اليومية في حالات مماثلة.
صاحب الرواية ينفذ حكمه الآن، وعلى الأرض “والحياء في سبات عميق” عمليات “قتلٍ للحياة” تدور على الشاشات، واغتصاب فردي وجماعي للفتيات أمام الجموع، تدمر البيوت فوق أصحابها، ودول تُجتاح وتمحى أخرى، والأمر يجري بمباركة جماعات ودول كبرى؛ بينما عمليات البحث و”التنقيب” عن كتاب ممنوع هنا؛ أو صفحات ممزقة من كتاب هناك؛ تجري على قدم وساق، بل إن أكثر ما يثير فضولنا جميعاً بلا استثناء هو أن يرفق أي منتجٍ فكري أو فني، أي مقالٍ صحفي، أو رسمٍ كاريكاتوري بعبارة سحرية هي” منع من النشر” ما يدفعنا للبحث عما يروي هذا الشغف بأي وسيلة.
للروائي المغربي محمد شكري صاحب رواية الخبز الحافي التي تم منعها في أكثر من دولة تصريح يقول: “عندما مُنع هذا الكتاب بدأ يباع أكثر مما كان يباع في مصر وفي غير مصر، وأنا هنا لا أقصد الجانب التجاري بقدر ما أقصد هؤلاء الذين سمعوا عن منعه وأرادوا أن يقرؤوا هذا الكتاب ليعرفوا ما هي الحقيقة، هل هو حقاً كتاب يفسد الشباب ويفسد تربيتهم، أليست هناك أشياء أخرى في المجتمع المغربي أو المصري أو دول عربية أخرى مخجلة وتفسد الشباب أكثر مما أفسده كتابي”.
بل إن المثبت أن عمليات البحث عن نسخة مخفية أو مسربة من هنا وهناك عن كتاب “ألف ليلة وليلة” الذي ما زال مطارداً حتى يومنا هذا بغية إلقاء القبض عليه؛ مازالت تسجل نسباً مثيرة للعجب، رغم مرور ألفي عام على صدورها، ونحن لم نؤمن بعد أنه رغم حتمية الضوابط لكل شيء في الحياة بما فيها الإبداع، لكن النقد هو الوسيلة الوحيدة لمحاكمة الإبداع والمبدعين وإلا “فالفأس واقعة على الرأس لا محالة”.