ثقافة

جارنا العاشق

تمّام  علي بركات

لدي جارٌ عاشق وولهان، لا ينام ولا يدعنا ننام أيضاً، يقضي الليالي الباردة وهو يقف على الشرفة، يغنّي ويصفر بأسى.
يروح ويجيء وهموم الحب التي يزفرها من تحت شاربيه تصل كشكوى طفل صغير جائع أو موجوع.
له مدة دون أي طعام، فإلى جانبه سمكة متذمّرة من جمود حالتها، وثمة فرخ عصفور صغير وقع عليه قبل أن يقع على الأرض، دون أدنى اهتمام نظر جارنا إليه ثم أبعده عن طريقه.
انقلاب حاد المزاج طرأ على جاري منذ يومين، في البداية بدأ يصل ليله بنهاره، بعد أن كان يختفي طوال النهار بجانب أحد الأسطح أو منبطحاً بجانب دولاب سيارة.
تغيّر صوت أنينه ونجواه، من مواء طويل ومتقطع إلى مواء أجشّ وغليظ ومزعج.
بعد استبيان السبب، تبيّن لنا أن أحوال جارنا انقلبت بعد مجيء جار جديد، استأجر شرفة قريبة.
جارنا الجديد أكثر وسامة له وبر أبيض طويل، شواربه مفتول آخرها وذيله منفوش وكأنه خرج من تحت مجفف الشعر لتوّه.
اليوم استيقظنا على حرب حامية الوطيس، تنتفت فيها الشوارب والمخالب، طارت الأجساد والتفت على حالها قبل الارتطام بالأرض، الزعيق ملأ الأرجاء.
حاولنا فض الاشتباك، فرّقنا بينهما، قلنا لا يجوز يا جماعة أنتم جيران..لكن عبث لا مواء لمن تنادي.
يرتاحان قليلاً ثم وبلحظة واحدة يشتبكان كأنهما الزير وجساس.
فوق خزان مياه فضي، يعكس أشعة الشمس الواهنة، وعلى جدرانه تتلاعب ظلال شجرة كينا، أوراقها على هيئة أسماك ظليلة، تمدّدت جارتنا، بسطت يداها وقدميها، وراحت تتقلب بغواية راقصة على سطح خزان الماء، ثم تنتصب على “أربعتها” وتتغاوى بذيلها الطويل المرفوع.
الجارة تموء وكأنها تغني “فيغارو” وفوق رأسها تحوم أرواح بضعة عصافير كانت قد جاءتها هدية من جارنا الأول.
فاز جارنا الثاني بودّها، رغم أنه لم يقدّم لها أي هدية، ولا حتى رأس سمكة، لكنه كان أثناء معاركه ينظر بين الفينة والأخرى إليها وهو منفوخ الصدر متورّم الوجنتين، يتنفّس بهدوء، بينما غريمه تكاد أنفاسه تتقطع وهو يحاول أن يبتسم لنا ونحن نلتقط له صورة للذكرى.
لا ريب سيرحل قريباً من حارتنا جارنا القط العاشق المهزوم.