ثقافة

“أيام لاتنسى”.. حكاية تلفزيونية بألوان الحياة

تلك الحرب التي أسبغت على الزمن ملامح شاحبة، قاتمة بلون الألم الذي نحمله جميعاً في قلوبنا، هذا الألم الذي تحول في الموسم الرمضاني الحالي إلى إبداع درامي تنطّع له أشخاص لم تستطع الحرب أن تطفئ جذوة التفاؤل المتقدة في وجدانهم، فعملوا على تحدي الحرب ورفض الواقع المرير الذي يحاول داعمو هذه الحرب فرضه ليس على السوريين فقط بل على المنطقة كلها، وهذا ما اشتغل عليه صنّاع الدراما السورية هذا العام، حيث كانت أحداث الحرب خلفية للموضوعات التي طرحوها في أعمالهم، فجاءت معبّرة عن هموم المواطن ومعاناته، وهاهو الفنان أيمن زيدان يطل علينا في تجربة إخراجية جديدة عبر مسلسل “أيام لاتنسى” للكاتبة فايزة علي في تجربتها الأولى عن رواية “ألف شمس مشرقة” للأفغاني خالد الحسيني، حيث تتشابه الحرب التي نعيشها في سورية مع ظروف الحرب الظالمة التي عاشها الشعب الأفغاني، مما يؤكد على المصير المشترك للشعوب، فعملت الكاتبة على مقاربة الأحداث بين البلدين بما يتناسب وظروفنا التي نعيشها بسبب هذه الحرب.
وبما أن المكان يشكّل في الدراما التلفزيونية المعاصرة بنية أساسية في تكوينات العمل الدرامي السوري، فقد أصبح هذا الفضاء يمثل هوية بصرية للعمل الفني لابد من حسن اختيارها وتحديد عناصرها. لكن تبقى طبيعة النص الدرامي هي التي تفرض اختيار مكان التصوير بجماليته أو بواقعيته، لذلك من الضروري اختيارها بدقة لأن المكان الحقيقي يعكس الحياة بحقيقتها أيضاً دون مواربة، فالمكان يمثل الحامل الأساسي للصورة الدرامية وتجلياتها، بغض النظر عن البعد الجمالي الذي تبرزه الدراما للجغرافيا السورية، وهذا ما رأيناه في كثير من الأعمال الدرامية التي عرّفتنا على مناطق في سورية ما كان لنا أن نعرفها لولا الدراما، التي تضيف للبعد المعرفي بعداً جمالياً يظهر من خلال أماكن التصوير التي يعتمدها مخرجو الدراما. هذه الرحلة بدأها الفنان أيمن زيدان من دمشق، حيث صورّ عدداً من مشاهد العمل، ومن ثم انتقل، إلى طرطوس ليستكمل تصوير العمل في أكثر من منطقة هناك ليعيش مع طاقم العمل أيام لاتنسى بكل ما فيها من الجهد والتعب العابق بنشوة العطاء، وقد كانت الطبيعة أحد الأبطال الأساسيين في العمل، فقد أعاد بتجربته هذه الاعتبار للجغرافيا السورية التي غابت عن الدراما السورية، وحُرم منها المواطن السوري على مدى سنوات ست بسبب انتهاكات الحرب.
ربما ما يحسب للعمل هذا التناغم بين أبطاله، حيث غابت الفروقات بين أجيال الفنانين المشاركين في العمل، والتي كانت تبدو واضحة سابقاً في الأعمال الدرامية السورية والعربية، لكن في “أيام لاتنسى” كان الجميع أبطال الحكاية، تقاسموا أدوارهم كل حسب المساحة المتاحة لشخصيته، والجميع أبدعوا في ذلك، مما أضفى على العمل حالة من التكاملية من خلال رؤية إخراجية احترافية، وهذا أيضاً يُحسب للفنان أيمن زيدان الذي اعتدنا على إتقانه للعمل الذي ينسجه بروحه ووجدانه، ولنا في أعمال كثيرة له لازالت حاضرة في وجداننا كـ “ليل المسافرين وطيور الشوك.. وغيرها”.
يتناول العمل حالة الإنسان المهزوم والمقهور بسبب بؤس الحياة والحرب، عبر حكاية ثلاث نساء هن دينا (ديمة قندلفت)، مريم (حلا رجب)، ليلى (رنا كرم) اللواتي يعشن حالات من الانكسار والحزن والخيبة، حيث يختلط الهم العام مع الهم الشخصي لكل واحدة منهن، وفي منحى آخر نرى ثلاث نساء من جيل آخر يعشن حالات مشابهة من الوجع الذي أدمى أرواحهن، هن: ملك (سوزان نجم الدين)، فريزة (صباح الجزائري)، مرح (عبير شمس الدين) فأحداث العمل التي تمتد منذ عام 1990 وحتى الآن يقع تحت وطأتها الجميع “رجال ونساء”، مما يجعل رسالة العمل تحمل في طياتها صورة عن نمط العلاقات الإنسانية التي تفرزها الحرب، والمصائر المتشابهة لشخصيات تعيش أياماً حُفرت في ذاكرتهم بحلوها ومرها. من هنا كان هذا العمل بكل الحالات التي جسدتها شخصياته انعكاس لأرواحنا المثقلة بالمرارة والوجع من حرب  حفرت ندوبها وجداننا. وتأكيداً على كلام الفنان أيمن زيدان فإن “الحب والعلاقة الإيجابية، بين المشروع ورأسماله، وكل عناصره، ساهم في خلق أجواءٍ مثالية للعمل، وبناء شراكةٍ متينةٍ انعكست بكل صدق في الصورة البصرية التي شدت المشاهد لمتابعة العمل، وبإمكاننا القول أن تكامل النص والإخراج والتمثيل في “أيام لاتنسى” أعاد الاعتبار للحكاية التلفزيونية بكل حيثياتها وألقها.
سلوى عبّاس