ثقافة

صحيفة البعث.. تاريخ ناصع يمتد إلى المستقبل

بالتأكيد لا يعود المكان مجرد جدران وأروقة بعد أن نعتاده، وبعد أن يصبح جزءاً مهماً من تكويننا، سنوات سبع مرت على وجودي في المكان دون سابق تصميم  واستعداد، ومازالت  تفاصيل اليوم الأول عالقة في ذاكرتي، بالأمس عندما كلفت بالحديث عن دار البعث باسمها الكبير ومراحل تطورها بمناسبة عيد تأسيسها أدركت حجم المشكلة التي وقعت فيها، كيف لي أن أختصر بمقال أو مادة أرشيفية ما، مهما كان حجمها أو مستواها النوعي، تاريخ هذا الصرح الحضاري الكبير الذي أرسى دعائمه ووضع حجر الأساس لبنائه القائد المؤسس حافظ الأسد في السابع من نيسان عام 1975، بالتأكيد من عايش المراحل الأولى لصدور الصحيفة يدرك أن خطواتها لم تكن سهلة ولامعبدة بالورود، فقد ناضل الحزب كثيراً ليؤسس صحيفة ناطقة باسمه، يضاف إلى ذلك أن الصحيفة كانت أمام تحديات كبيرة يتمثل الأول في العبء الملقى على عاتقها، كصحيفة ناطقة باسم حزب البعث العربي الاشتراكي بكل مبادئه وأفكاره النبيلة وتوجهاته الوطنية والقومية، في حين تمثل التحدي الآخر بقدرتها على التعبير عن هموم المواطن السوري والعربي، خصوصاً هموم وتطلعات القاعدة الشعبية التي أخذ الحزب على عاتقه مهمة الدفاع عنها من عمال وفلاحين وصغار الكسبة وطبقات المجتمع المسحوقة، بعد كل هذه السنوات ترى هل كسبت الصحيفة الرهان؟
الواقع يؤكد أنها فعلت، وأرشيفها الزاخر يؤكد على ذلك، وفي الحديث عن الجوانب والقضايا الكبرى التي تصدت لها الصحيفة، سنجدها شاملة حاولت أن تغطي كافة جوانب المجتمع محلياً وعربياً، على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والتربوية. فعندما نتحدث عن القضايا السياسية المحلية والعربية والدولية نجد أنها أخذت مساحات واسعة من صفحات الجريدة، ومن اهتمام المحررين، على سبيل المثال كانت قضية الوحدة العربية من أهم القضايا التي حظيت باهتمام الصحيفة والقائمين عليها، إن كان من خلال المقالات والدراسات والبحوث التحليلية لكل مشروع طرح في هذا الإطار، وبالتأكيد للقضية الفلسطينية عبر مراحلها المختلفة حضورها البارز، فقد رصدت الصحيفة جميع المؤتمرات والتحركات السياسية وكفاح الشعب العربي الفلسطيني في سبيل قضيته العادلة،  وكان للصحيفة حضورها في العديد من القضايا كمقاومة الأحلاف والمؤتمرات المشبوهة، ومتابعة مسيرة التصحيح والدستور والاستفتاء على رئيس الجمهورية  وحرب تشرين التحريرية، لكن هذا الاهتمام بالجانب السياسي لم يشغل الصحيفة عن مهمتها الأساسية لتكون صوت المواطن والمعبر عن همومه وتطلعاته، وهذا بالتأكيد لن يكون إلا من خلال الاهتمام بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية التي تعني المواطن، وتشكل أرضية راسخة لحياته، من هنا كانت صفحات الصحيفة مكاناً لرصد مواطن الخطأ وتسليط الضوء عليها بهدف تلافيها وعدم الوقوع فيها ثانية، وإظهار الجوانب الإيجابية لتعزيزها وتطويرها، ولن أدخل هنا في تفاصيل الأسماء الكبيرة للكتاب، الذين بدأت مسيرتهم بما خطته أقلامهم على  صفحات الصحيفة من مقالات كثيرة أبدعوا فيها، في مجالات السياسة والفكر والأدب، وبعضهم ما زال مواظباً على العمل في الصحيفة وهو يعطي الجيل الجديد من خبراته وتجاربه التي صقلتها سنوات الخبرة.
دار البعث اليوم بخبرة الأسماء المخضرمة فيها والكادر الشبابي الذي أتيحت له الفرصة ليكون فرداً في اسرتها، أمام تحديات كثيرة فرضتها المرحلة، منها ما تعيشه سورية وغيرها من البلدان العربية من محاولة اجتثاث الفكر القومي وزرع الفكر الطائفي والإقليمي بديلاً عنه، وهو ما تجسد في الحرب التكفيرية على بلدنا وتبعاتها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والإنساني، والذي شكل أعباء أخرى على حزبنا حيث مسؤوليته اليوم مضاعفة، آما المواطنين فتطلعاتهم متجهة إليه، وهذا بالتأكيد ألقى المزيد من الأعباء والمهام على صحيفة البعث، كونها صوت الجماهير، ومن واجبها اليوم أكثر من أي يوم آخر الكشف عن مواطن الفساد في المجتمع، غير ناسية دورها على المستوى العربي والدولي ومن المهم الإشارة إلى ما انتبهت إليه إدارة الصحيفة التي سعت لأن تكون الدار مواكبة لكل جديد، من خلال صالة التحرير الحديثة وإنشاء مركز البحوث والدراسات، والتجديدات التي طالت العديد من آلات الطباعة وافتتاح قنوات رديفة للصحيفة: كموقع “البعث ميديا” ثم “البعث أونلاين” لإيصال صوتها إلى الجميع وعلى أوسع نطاق.

جلال نديم صالح