ثقافة

“معرض الكتاب”.. مجرد تقليد أم فرصة للتواصل؟!

بعد سنوات من الانقطاع يعود معرض الكتاب الدولي من جديد ليقدم نموذجاً واضحاً عن التحدي، والاستمرار في رسم ملامح واقع مغاير لما حاولت الحرب فعله. هذا المعرض ليس مجرد مكان للقاء الجمهور بالعناوين والإصدارات الجديدة، بل هو أيضاً مكان للقاء أهل الثقافة والفكر من أدباء ومفكرين، وخلق نوع من التواصل المباشر بينهم وبين الجمهور، فهل تتحقق هذه المعادلة فعلاً على أرض الواقع؟ هذا السؤال توجهنا به لعدد من المثقفين ورواد المعرض للوقوف على وجهة نظرهم بمعارض الكتاب وتحديداً معرض الكتاب في دمشق، وكيف يوصفون علاقتهم به.

ترميم العلاقة في المشهد الثقافي
يعتبر الناقد أحمد هلال أن توقيع الكتب الذي يصاحب المعرض سيكون فرصة ثمينة للغاية ليلتقي ويحاور المثقف الجمهور، وبذات الوقت ليطلع الجمهور على المنتج الإبداعي من كاتبه مباشرة، وهذه فرصة مهمة لأن الجمهور يطمح دائماً لرؤية صاحب الكتاب والاحتكاك به، وهو ما يعيد الاعتبار للكاتب.
ورأى هلال أن المعرض يكرس ثقافة بتنا اليوم في أشد الحاجة للعودة إليها لأهميتها في ترميم العلاقة في المشهد الثقافي، وتأصيل ما كان جميلاً ذات يوم والعودة به إلى قائمة الصدارة، كعودة الكتاب التي تؤكد ربحه معركة فكرية وثقافية فلا يبقى أسير المكتبات. والحرب كما نعلم جميعاً استهدفت هذا الجانب الثقافي والمعرض بهذا المعنى يحاول تأصيل تقاليد اعتدنا عليها من الدورة الأولى للمعرض إلى اليوم. ويؤكد هلال أنه إذا ما تمت العلاقة بشكل صحيح مع دور النشر في الحفاظ على المنتج الثقافي الوطني السوري أولاً وقبل غيره، يمكننا أن نحقق قفزات نوعية في هذا المضمار، مشيراً إلى أن  إعادة الاعتبار للكتاب هي إعادة اعتبار لدور النشر وللكتاب والجمهور، لتعود دورة الحياة للكتاب والقراءة وللحياة الثقافية السورية بجهود المخلصين من القائمين على المؤسسات الثقافية والمشتغلين فيها، والقيادة السياسية في هذا البلد.

تلاقح فكري
ورأى الشاعر عماد فياض أن معادلة التواصل بين الجمهور والكتاب والكاتب  تتحقق بنسبة كبيرة جداً في المعرض، خصوصاً أن المثقف أو القارئ السوري يجد في المعارض فرصة للإطلاع على إصدارات دور النشر المختلفة، ليكون هناك تصور شامل عما يصدر من مطبوعات وكتب، لأنها لاتصل إليه إلا في المعارض السنوية، وهذه فرصة لاحتكاك الناشر والكاتب من خلال توقيعات الكتب واحتكاك الجمهور المباشر مع المبدع، وهذه فرصة مهمة  لنوع من التلاقح الفكري الذي تعززه الندوات الفكرية والأدبية، وما تحققه من لقاء بين الروائيين والشعراء والمثقفين عموماً.

منارة في هذا الوطن
ومن وجهة نظر القاص أيمن الحسن فإن عودة معرض الكتاب بعد انقطاع فرصة طيبة، وأذكر قبل أن تبدأ الحرب على بلدنا التوسع الكبير الذي شهده المعرض ليشمل الحدائق المجاورة لمكتبة الأسد، مما يعني أننا كنا أمام حالة ثقافية متطورة لهذا المعرض الذي يحقق التفاعل بين المثقف والكتاب، كونه  فرصة تجمع المثقفين للإطلاع على الإصدارات الجديدة، ليس على مستوى سورية فقط وإنما ما صدر على مستوى الأقطار العربية الأخرى أيضاً، لاسيما وأن التواصل الثقافي بعيداً عن هذه التظاهرات والمعارض قليل جداً.
وتزداد أهمية المعرض كما يرى الحسن مع الظروف التي تعيشها بلدنا، وهذا يؤكد على أننا رغم كل شي شعب يعمل على أن يبقى الكتاب والثقافة والإبداع حاضراً.  وعن توقيت المعرض يتابع الحسن: يؤسفني التوقيت الذي جاء فيه المعرض بدءاً من أيامه القليلة وصولاً إلى توقيته في نهاية الشهر، حيث الإمكانات المادية الضعيفة للمواطن، إضافة لمصادفة مناسبات العيد، وافتتاح المدارس التي تحتاج لتكاليف باهظة، وأعتقد أن هذه المسائل كلها تلعب دورها في جعل المواطن لا يقبل على المعرض بالطريقة التي نعرفها، لأن المواطن السوري قارئ جيد، ورغم كل شيء يشكل المعرض اليوم منارة في هذا الوطن العزيز والمنتصر.

تقليد على مدار العام
ومن زوار المعرض التقينا بالطالبة الجامعية سارة التي حدثتنا عن وجودها في المعرض إذ قالت: جئت للاطلاع على العناوين التي تعرضها مختلف دور النشر المشاركة، وأعتقد أن عودة المعرض بحد ذاتها رغم جميع الظروف إنجاز كبير على المستوى الثقافي الوطني، والمشكلة التي أعانيها كحال أغلب من يرتادون هذا المعرض من طلبة الجامعة هي الأسعار العالية للمنشورات في أغلب دور النشر الخاصة، ومنشورات الهيئة العامة السورية للكتاب واتحاد الكتاب العرب فقط  أسعارها معقولة إلى حد ما، نظراً للوضع الاقتصادي الذي يعيشه المواطن السوري  بعد عدة سنوات من الحرب. وتتابع سارة أعتقد أن حفلات توقيع الكتب والندوات التي تقام على هامش المعرض فرصة للقاء الجمهور بالكاتب والتعرف إليه عن كثب، وأتمنى أن تصبح هذه الظاهرة تقليداً دائماً حتى بعد انتهاء المعرض.

ظاهرة إعلامية فقط
أما محمد -طالب جامعي- فقد رأى في عودة المعرض تأكيداً على استمرار الحياة، وفرصة لإعادة الثقة والعلاقة بين دور النشر وإدارة المعرض وبين الجمهور والكتاب، خصوصاً أن إقامة المعرض في هذا العام ستشجع دور النشر على مستوى الوطن العربي لتعيد ارتباطها به، ليعود تقليداً سنوياً يحقق نوعاً من الحراك الثقافي على الساحة السورية. أما فيما يتعلق بما يحدث من تواقيع لبعض الكتب على هامش المعرض فهي برأي محمد ليست سوى ظاهرة إعلامية أكثر من كونها فرصة لتحقيق التواصل المباشر بين الكاتب والجمهور، لأن هدفها أولاً وأخيراً  إظهار كاتب ما ليس إلا.
جلال نديم صالح