ثقافة

“تفل قهوة” مونودراما الحب والحرب والخراب

العرض المسرحي “تفل قهوة”, الذي قدمته الفنانة اللبنانية مروة قرعوني على خشبة مسرح القباني بدمشق, النص المسرحي مأخوذ, عن رواية للكاتب هيثم الطفيلي. ومن إخراج الدكتور هشام زين الدين.
مسرحية, تتحدث عن امرأة مقهورة وحزينة, عانت الكثير من قسوة الحرمان, والقهر, فاختارت لذاتها عزلة من أربعة جدران, لتوجه صرختها المدوية في زمن الحرب, صرخة احتجاج تطلقها امرأة وحيدة قلقة حائرة وكئيبة, يقودها أنين ووجع الذكريات لحد الصراخ اللامتناهي.
مسرحية حاولت كسر التابوات, وتحدثت بجرأة عن الدين والسياسة والجنس. تحدثت عما يجري اليوم من دمار وخراب, وعما نفعله في السر ونخفيه في العلن, وعن التخلف الذي مازال يسيطر على الكثيرين من مفاهيم  مغلوطة للدين, ومن تخلف اجتماعي يلف الكثير من المجتمعات العربية, حين تقول: (بنقول عن مرض السرطان, (المرض اللي ما بيتسما) وعن المومسات (النسوان اللي ما بيتسموا) الخ.
تتحدث عن علاقة امرأة بنفسها وعلاقتها بالمرأة الأخرى والمجتمع والرجل والسياسة والدين. وحين تعلن عجزها وخيبتها تسجن نفسها بين جدران أوهامها وسراديب ذكرياتها, والهلوسات التي تسكنها حتّىالنخاع.  حينها تذهب إلى سجن نفسها بين جدران عزلتها مستكينة لانتظار إجابات عن تساؤلاتها, تصرخ وحيدة ولا تسمع سوى ترددات صراخها في المستنقع الملوث بالكذب والفساد والتخلف.
هي حالة تمرّد على المعتقدات والعادات والأعراف والتقاليد الاجتماعية في العالم الخارجي ورفض العيش فيه أو التماهي معه.
تم استخدام خيال الظل, في علاقة (مروة) مع المرأة الأخرى التي تذكرها بماضيها, من قصص حب فاشلة, ومشاريع زواج لم تكتمل أيضا, وهي ترد عليها بالصراخ: (لك اسكتي, أنا مش مجنونة).
تهدأ قليلا تدخن سيجارتها بشراهة وترشف قهوتها, تشعل ثلاث شموع حمراء, هن أيضا رموزاً لثلاث خيبات في تجارب حبها. إذا ما أضفناهن لفساتين العرس الثلاثة.
كان اللون الأحمر بكل أبعاده هو الطاغي على كل الفضاء المسرحي, بدءاً من السرير الذي تعتبره أساس كل الأشياء في الحياة والوجود.
تناغمت الأشياء مع بعضها البعض لتشّكل مدلولات رمزية فنراها في السينوغرافيا بشكل عام, منذ بداية العرض وحتّى مشهد الختام, شكّلت فضاءً أشد تناغما وانسجاماً لخدمة مقولة العرض. منذ وجود الساعات المعلقة في الفضاء التي تذكرها بالزمن, الذي دفعها لكسر إحدى الساعات, كرد فعل على سير الزمن.
منذ المشهد الأول الذي تطل به علينا الفنانة مروة قرعوني,التي نجحت في اللعب على تغيير إيقاعات صوتها, وكذلك تعابير وجهها, وجسدها, حين بدأت ترقص على أنغام أغنية صباح فخري وأخرجت فساتين أعراسها الثلاثة, وبدأت بتعليقها على الجدران وارتدت واحدا منها ورقصت به بكثير من الأسى.
إلى ذلك كانت الإضاءة منسجمة مع الموسيقى ومع باقي تفاصيل العرض, بما في ذلك (إكسسوارات) الديكور المكونة من ستائر, ودهاليز غارقة في عتمة سرمدها, إلى (أبجور) النافذتين المتقابلتين, أحدهما كانت تطل على الرجل الأرمني الذي كانت تتحدث عنه بود, والثانية كانت تطل على جارها الذي كان يتلصص عليها, حين تبدل ثيابها, أو حين تنام.
فتقول: (لما اكتشفت أنو جاري, كان عم يتلصص عليي, سكرت الشباك بالشمع الأحمر).
على الخشبة نجد كرسيين و(طربيزة) صغيرة, الكرسيان, احدهما كانت تجلس عليه والآخر كان يرمز للانتظار المر, لأحد الثلاثة الذين وقعت في حبهم, وبينما هي تجهز فستان عرسها يخذلها ويمضي. وهي تتذكر أول قبلة مع ابن الجيران تقول: (كنت كتير مكسوفة, وخجلانة وقتا, هاي كانت أول قبلة حب).
منذ البداية نجدها حين تفتح المذياع, وتتنقل به من موجة إلى أخرى, تخاطبه بكل عصبية وتطالبه بالسكوت, ومن ثم تقول: (هاي من علامات الحرب), ثم نسمع صوت القذائف والرصاص, وهي دلالات عن تناغم الزمن المسرحي مع زمن الحرب.
وبالعودة إلى السرير الذي شكّل جزءاً هاماً من ديكور المسرحية, والذي كانت تعمل على التنقل به, والعمل عليه بشكل رمزي وإيحائي, إلا انه السبب في كل شيء في هذه الحياة.  حين يتلاشى صراخها وتيأس من كل شيء لاتجد أمامها سوى الانتحار, فتنتحر بستائر النافذتين الموصدتين بمشهد مؤلم وقاس للغاية. ” تفل قهوة” عرض تابعناه بأقل من ساعة بكثير من الشغف.
أحمد عساف