ثقافة

فتح الله وعثمان وإبداعات موسيقية جديدة

لم تكن الأمسية التي قدمتها الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية على خشبة مسرح الأوبرا بقيادة المايسترو عدنان فتح الله وتألقت بارتجالات البزق للعازف محمد عثمان، مثل غيرها من الأمسيات الدورية، التي غدت صلة وصل تجمع بين عشاق الموسيقا العربية وزمن الطرب الأصيل، فقد أكدت هذه الأمسية حضور الموسيقا الآلية لتأخذ العلاقات الموسيقية المتشابكة وفق قوانين الفيزياء الموسيقية دورها، ولتكون بديلاً عن الغناء ومعاني المفردات. وقد تفردت ضمن برنامجها بمقطوعات من تأليف الموسيقيين السوريين الشباب، منهم (كمال سكيكر-كنان أدناوي –عاصم مكارم) فكانت بمثابة إعلان لنجاح تجارب التأليف الموسيقي من قبل أكاديميين ووفق التوزيع الأوركسترالي، والذي كان مجرد محاولات مقارنة مع تأليف الموسيقا التصويرية للدراما بأنواعها. التجارب التي قدمتها الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية لاقت انطباعات إيجابية لدى الجمهور والمتخصصين.. مما يوحي بتفوقها ربما على الموسيقا التصويرية.
اعتمدت أغلب الألحان على الآلات الشرقية التقليدية، بالتوازي مع الإيقاعيات الشرقية والغربية التي كان لها دور كبير في تغيير الجمل اللحنية واتخذت في بعض المواضع فواصل حادة، وكانت الحامل الموسيقي في بعض المقطوعات، إضافة إلى دور الوتريات لاسيما التشيللو. ليبقى الحضور الأكبر لتشاركية البزق مع اللحن الأساسي وبشكل منفرد. تنوع المقطوعات المبنية على قوالب موسيقية مختلفة أظهرت براعة العازفين الشباب في سرعة العزف بالانتقالات الموسيقية ودقة تواصلهم مع المايسترو فتح الله.

الطابع الحزين
استهلت الأمسية بافتتاحية مستوحاة من معاناة الشعب السوري ومواجهته الإرهاب بعنوان”الشهيد” تأليف عازف العود كمال سكيكر، غلب عليها الطابع الحزين لنغمات الناي للعازف إبراهيم كدر، وتشاركية العود والقانون-العازف عمران – ليمتد اللحن مع الوتريات ونغمات التشيللو الموحية بالحزن العميق، تخللتها ضربات التيمباني الحادة – العازف علي أحمد- إيحاء بالخطر المحدق بنا.
“سويت” البزق
وشغلت الحركة الثانية والرابعة من “سويت” لآلة البزق مع الفرقة وتميزت بروح إيقاعية راقصة وبعزف منفرد للعازف محمد عثمان، تلتها لونغا راست القالب الموسيقي المؤلف من أربع خانات وتسليم ويتطلب السرعة بالعزف تأليف عبد الرحمن جبقجي وتوزيع كمال سكيكر، وبدأت مباشرة بنغمات البزق للعازف المشارك مع تشكيلة الفرقة كنان أبوعقل مع الإيقاعيات الشرقية ومساحة الامتداد اللحني للوتريات لتنتهي بقفلة قوية.

سوق عكاظ
المقطوعة الجميلة التي غيّرت مسار الأمسية “سوق عكاظ تحميل على مقام العجم” تأليف كمال سكيكر وتوزيعه، وبدت معاني المقام المعبّر عن عاطفة قوية توحي بالرقة من خلال السلاسة اللحنية وانسيابية الجمل الموسيقية لهذا المقام بحضور الناي وصولو القانون الذي شغل مساحة فصل بين ألحان آلات الفرقة، لتبدو التشاركية واضحة في نهاية المقطوعة بين العود والناي والقانون.

رقصة
مفاجأة الأمسية كانت مقطوعة”رقصة” تأليف كنان أدناوي وتوزيعه لاعتمادها على الإيقاع الراقص كضابط للحن الأساسي المبني على جمل موسيقية فيها حركة نشطة وسريعة وفرحة، وتخللتها مساحة كبيرة لتشاركية الآلات الإيقاعية الشرقية والغربية (الطبلة والجم والبنكوز والكاتم والتيمباني والدرامز والطبل الكبير) وأضافت فواصل الطبلة للعازف علي أحمد سحراً على المقطوعة مع الدور التي قامت به آلات الفرقة مجتمعةً، وتعود جماليتها إلى التجارب المتعددة التي قدمها أدناوي والقائمة على دراساته لمجمل المدارس الموسيقية.

ارتجالات البزق
في القسم الأخير من الأمسية كان البزق المحور الأساسي في الأمسية، إذ أبدع عثمان بالتنقل السلس بين مقام البيات والكرد والنهاوند وحجاز كار كردي بارتجالاته لنغمات البزق، ودمجه بين إحساسه وتقنيات الآلة من خلال أسلوب العزف الأكاديمي على هذه الآلة التي أخذت سمة الشعبية لانتشارها في مناطق الجزيرة، من خلال مقطوعة سماعي حجاز كار كردي تأليف روحي الخماش وتوزيع محمد عثمان، والملفت أن الارتجالات أخذت العازف إلى عوالم التوحد مع أوتار البزق ليتشارك مع الفرقة بقفلة المقطوعة.

تمر
واختُتمت الأمسية بمقطوعة تمر تأليف عاصم مكارم حيث تميّز بدمجه بين الموسيقا الشرقية والكلاسيكية والجاز والتوزيع الأوركسترالي، والملفت بمقطوعة تمر أنها قائمة على مقام “خبيتي” قليل الاستخدام والمتصف بروح شعبية راقصة، وهذا ما أوحت به الآلات الإيقاعية كلحن مرافق وكتلوين موسيقي مع آلات الفرقة.
ملده شويكاني