ثقافة

التكنولوجيا المستقبلية ومخاطرها بتقنيات مبهرة في فيلم “الفاني”

“المستقبل ليس محدّداً وتوجد خيارات كثيرة” بهذه المفردات انتهى فيلم “الفاني” من سلسلة أفلام المبيد الجزء الخامس، الذي عُرض ضمن مهرجان الأفلام الحديثة جداً المقام حالياً في الأوبرا، ورغم أنه ينتمي إلى سينما الخيال العلمي والحركة والأكشن والعوالم الافتراضية، إلا أنه يحمل مضامين إنسانية كبرى، ويتميز بسرديات اجتماعية عميقة بصوت السارد حيناً، ومن خلال الحوارات الصغيرة بين الشخوص الأساسيين بدافع الاستمرار حيناً آخر، “انظر إلى الخطّ المستقيم في يدك نحو الأمام ولا تنظر إلى الخلف أبداً”، ومحاولة النجاة من أيّ موقف ولاسيما في الوقت الذي لا يوجد فيه سوى خيار واحد. والأمر اللافت تأثير المشاهد الوجدانية القصيرة جداً داخل السياق الدرامي، والأداء الإنساني العاطفي للممثلة الشابة إميلا كلارك رغم المنحى العام للفيلم.

التنقل بين الأزمنة
يعتمد الفيلم الذي جاء بتوقيع المخرج آلان تايلور وسيناريو لاليتا كالغوريدس وباتريك لاسير، على الزمن كمحور أساسي وفق مصطلح “السفر عبْر الزمن” الذي تكرّر في عدة أفلام عالمية، وفي فيلم “الفاني” المبني على فكرة الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المستقبلية وإنقاذ البشرية من مخاطرها، يتنقل الزمن بين عدة أزمنة، إذ تبدأ الأحداث في زمن افتراضي مستقبلي لم نصل إليه بعد في عام 2029، وتعود إلى الماضي إلى عام 1984، ومن ثمّ إلى عام 1977 لينتهي الفيلم في عام 2017.
تبدو للوهلة الأولى هذه المراحل الزمنية رمزية تدل على أحداث معيّنة ربما تضمّنها الفيلم بما يشبه التورية، ولاسيما في المشهد الذي أُرّخ بعام 1984 ويظهر الرجل الزنجي داخل الشاحنة التي تعرّضت للتفجير، إلا أنه في السياق الدرامي للفيلم يتضح أن لها علاقة بمراحل تكوين الشخصية عند البطل كايل ريس، الذي أدّى دوره الممثل جاي كورتني، ووقف في وجه جون كونور الذي أدّى دوره بشكل لافت الممثل جيسون كلارك “الرجل الافتراضي الذي يملك مفاتيح النظام المتطوّر تي 1000″، الذي يتحكم بصنع آلات على شكل روبوتات تشبه البشر، وتملك القدرة على التفكير كما يفكر الإنسان بغية القضاء على البشرية.
يحاول كايل ريس إنقاذ سارة كونور والدة جون من القتل، لتكشف الأحداث أنه زوج سارة، إلا أنهما يعيشان قصة حبّ جديدة عبْر السفر إلى الزمن الماضي إلى مرحلة الشباب.

تفجير الروبوتات
يقوم الفيلم على المطاردة والحركة العنيفة ويعتمد المخرج تايلور على الأكشن والإثارة في شدّ انتباه المتلقي بإيجاد صور جديدة للشخوص الافتراضية بتركيب يشبه  البشر، متجاوزاً الوحوش والأشكال الافتراضية والصور المتكررة في سلسلة أفلام الأكشن والخيال العلمي، مركّزاً على احتراق الشخصية الافتراضية وتحوّلها إلى كتلة نارية بعد تفجّر العين التي كانت عنصراً أساسياً في هذا النوع السينمائي، مستخدماً تقنيات السينما التكنولوجية وخاصة في مجال الإضاءة اللونية للشخوص، والتي تعكس ظلها على فضاء الصورة معتمداً على اللونين الأحمر والأزرق، تاركاً للمتلقي الإيحاءات والدلالات الرمزية لهما وانعكاساتهما على مناحي الحياة بصورة عامة، إضافة إلى التقنيات المبهرة في تداخل الأزمنة وتكرار المشهد الهادئ الذي يجمع العائلة في عيد ميلاد كايل العاشر بالعودة إلى الفلاش باك، وتركيب الصورة البصرية وفق عدة مستويات، إذ جمعت الكاميرا بين المستوى الأول المدن المضاءة من الأعلى كمسح أفقي لها، يتداخل مع المستوى الثاني بإظهار الأبنية الافتراضية التي تحتوي على الأجهزة والأشعة لنظام سكاينيت وجينيتس المتحكم بتحميل كل شيء، والمستوى الثالث باللقطة القريبة للدائرة الصغيرة للشخصيات المتصارعة سارة وجون وكايل والجدّ الذي أنقذ سارة حينما كانت طفلة، بعد أن فجّر الأشخاص المبيدون -المصطنعون الذين يشبهون البشر- الكوخ الذي كانت أمها فيه وهي تلوّح لها من بعيد لحظة قتلوا والدها الذي كان يرافقها لاصطياد السمك في الصباح. وتمضي الأحداث عبر الصراع الدائر بين الروبوتات والأشخاص من خلال الدائرة المشتعلة داخل أبنية النظام التي تفجّر الروبوتات.

تدمير سكاينت
في القسم الثاني من الفيلم يتوسّع المخرج في دائرة المطاردة ليدخل بالمطاردة رجال الأمن، ومن ثمّ ينتقل إلى الفضاءات الخارجية داخل المدينة وبالتحديد على الجسر المعلق فوق البحر، وقد أثار المخرج في دقائق الرعب أثناء سقوط أجزاء من الحافلة التي هربت فيها سارة وكايل والجدّ من مطاردة جون في عمق البحر، لحظة تمسك سارة بيد الجد وبيد كايل ونجاحهم في الصعود إلى الجسر، وبعد سلسلة مطاردات ينجحون في القضاء على جون وتدمير النظام المتطوّر من سكاينت، ليعود المخرج في الدقائق الأخيرة من الفيلم إلى أرض الواقع إلى المساحات الخضراء وعالم البشر، ولنرى قبلة الارتباط بين سارة وكايل ووداع الجدّ لهما ومضيهما في سيارتهما الصغيرة. وهنا تتضح رسالة المخرج بدعوة الإنسان ليعيش إنسانيته بكل تفاصيلها، ويعتمد على وسائل التكنولوجيا بما يخدم الحياة الاجتماعية فقط، وليس للقضاء على البشرية.
ملده شويكاني