ثقافة

في جُعبَة اللّص

لا يكاد يخفت الضجيج حول خبر؛ حتى يتعالى مرة أخرى، حول أعمال السرقة التي يقوم بها كيان العدو لآثار تعود لعصور ما قبل التاريخ من هنا وهناك، وتشمل قطعاً هامة يتم نقلها إلى داخل إسرائيل، والحديث حول لوحات عديدة من أرض مصر، تم نقلها إلى المتحف الرئيسي في تل أبيب، كان قد تم تهريبها من مناجم الفيروز ووادي المغارة، إلى عدد من التوابيت بلغ الـ 35 تابوتاً فريداً يعود تاريخها إلى العام 1400 قبل الميلاد، وقطعاً نادرة من المعبد الأثري في جنوب سيناء، ولقىً نادرة هامة كثيرة؛ من صلبان وأساور؛ عملات ذهبية خالصة تعود إلى عهد قسطنطينيوس الرابع، رؤوس سهام برونزية وألواح وأوانٍ تحمل كتابات هيروغليفية؛ يجري العمل على تحريفها وتعديلها إلى العبرية؛ سعياً لإثبات يهودية بعض المناطق أو الأبنية القديمة والأضرحة، لخلق ما يثبت أن لهم جذوراً في تلك الأرض؛ وأن في تاريخ المنطقة وجوداً قديماً لملوكٍ يهود حكمت مصر يوماً، بينما عملت الأيدي من جهة أخرى على العبث بما تعذر الخروج عليه بعيداً.
ليس الأمر بالغريب أو المفاجئ  لكيان غاصب؛ دأبها كان على الدوام البرهنة على ما لا يقبل البرهان، وإثبات أحقيتها فيما لاحق لها به، أو العمل على التخريب والتدمير سعياً لتشويه الصورة الحقيقية لأرض تطمح أن تقيم عليها دولتها المزعومة.
وليس بالغريب أيضاً أن تتكشف الحقائق وتسريبات الباحثين الآثاريين والأفراد الغيورين على أصالة وحضارة بلادهم، أن بلداً تقدم نفسها شقيقة لها؛ تشارك في السرقة والصراع على اقتناء الآثار المنهوبة أموالاً بهدف الإعداد لإنشاء متحف آثاري ضخم، يكون “واجهة حضارية” لايسيئها أن يكون قائماً على السرقة واللصوصية، فتوظف أموالها لجمع أضخم مجموعة يتاح لها الحصول عليها تؤهلها للفوز بشرف تسميتها عاصمة للثقافة والتاريخ في المنطقة، وإن كان عام 2000 توج مدينة رعت التدمير أمثولة للثقافة فإن لشقيقتها حق أن تحلم به، الأمر الذي يفتح الباب للتساؤلات حول الآليات التي كانت أو تلك المتبعة اليوم للاحتفاء بمدينة ما؛ واختيارها كي تمثل عاصمة للثقافة والتاريخ أياً كان نوعه، ترى ما الفائدة المرجوة لها حتى تتكالب بعضها وتتسابق كما الفتيات الصغيرات على لقب جمالي بسيط، وما القيمة الجوهرية التي يمكن لها أن تضفيها على ما حولها.   والأهم أن باباً آخر يجب أن يفتح على مصراعيه؛ حول مصير الكثير بل الآلاف من القطع الأثرية التي اختفت وتم تهريبها إلى أمكنة بعضها معروف بينما البعض الآخر في عالم الغيب، هي حق تاريخي لهذه الأرض من الشام والعراق وفلسطين والبعض مما ستتكشف الأيام القادمة عنه.
والأكثر إثارة للدهشة أن تتوحد الرسالة إلى العدو والأخ معاً، فتغدو واحدة بأن “تاريخ أي جماعة أو أمة هو تاريخها منذ ظهور الإنسان عليها وتفاعله فيها حتى اليوم” وما المجتمعات  على تباين عاداتها وتقاليدها وثقافتها، والحضارة القائمة عليها سوى سلسلة من هذا التفاعل لأجيال وأجيال تتعاقب عليها عبر الأزمنة المتتالية “أو أننا بتنا في زمن يغوص حتى الحلق بدماء الآخرين، يمكن فيه لجعبة على كتف لص أن تحقق لإبليس حلمه “تاريخاً وحضارة على طبق من فضة”.

بشرى الحكيم