ثقافة

نجدة أنزور هل تأخذه السياسة من الفن

فاز المخرج العالمي نجدة أنزور بلقب المخرج الأفضل في العالم الإسلامي، وهي جائزة يمنحها اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية وجاء في القرار: نثمن هممكم العالية وإنتاجاتكم الضخمة، وأعمالكم الخالدة التي أغنت الفكر والصورة والكلمة،  والتي كانت حلقة من مسلسل تنمية الوعي الاجتماعي والفكري والتاريخي في محيط يرزح تحت أطماع المتربصين.

نجدة أنزور مخرج أثار الجدل دائما منذ أن أرسى أسلوبا جديدا في الإخراج، حين خرج بالكاميرا من الاستوديوهات إلى ارض الواقع، وهو يقول أن الواقع العربي جعل التلفزيون الأهم والأكثر انتشارا ورواجا ماديا ومعنويا، حيث يكون القرب الأكبر من الجمهور، وهو الأمر الذي دفعه نحو تغيير الشكل التقليدي للتلفزيون، وقد حقق هذا التغيير في عالم الدراما السورية، بدءا من مسلسل – نهاية رجل شجاع –تأليف حسن م يوسف وهو العمل الذي كسر أنزور فيه التقليد في الإخراج التلفزيوني، وفي كل أعماله التالية من حيث الشكل، لكن الجدل الأكبر كان في المضمون والمحتوى الذي حملته أعمال أنزور اللاحقة، والتي تصدى فيها لظاهرة الإرهاب قبل ظهور داعش وجبهة النصرة وكل التنظيمات الإرهابية الأخرى.

نجدة أنزور صاحب مشروع فني وفكري يعمل لتحقيقه وهو مشكلة الإرهاب التي تشوه الدين الإسلامي، وقد حاول تصحيح هذه الفكرة عبر عدد من الأعمال بدأها في عام 2005  أهمها: الحور العين- ما ملكت أيمانكم– المارقون- فيلم مملكة الرمال الذي أنتجه وعرض في الصالات العالمية في الحادي عشر من أيلول عام 2013 في ذكرى تدمير برجي التجارة العالميين، فهو يبحث في جذور الإرهاب والتطرف الذي يضرب العالم، والذي يستند إلى الفكر الوهابي.

كل هذه الأعمال وغيرها خلقت حين عرضها حالة من الجدل السياسي والفكري، وهو ما يهدف إليه أنزور الذي يرى أن جوهر الإرهاب يكمن في إلغاء الآخر، والبطش به فكريا وجسديا وحياتيا وماديا، وهو يشوه صورة الإسلام الحقيقي.

وبعد إعلان الحرب على سورية عبر التنظيمات الإرهابية قاتل أنزور هذه التنظيمات بالفكر والصورة، وكان صاحب موقف وطني واضح وغير ملتبس حين رفض الوقوف في المنطقة الرمادية، أو ترك بلده كما فعل كثير من الفنانين، بل أعلن وقوفه مع بلده وجيشه الوطني منذ الأيام الأولى لانطلاق ما سمي بالربيع العربي، وقدم عددا من الأعمال التي أضاءت على الأزمة، ومنها مسلسل “تحت سماء الوطن- امرأة من رماد”، ثم فيلم “فانية وتتبدد” إنتاج المؤسسة العامة للسينما عام 2015، وقد حاول أنزور في هذا الفيلم الدخول إلى عوالم الإرهابيين من خلال فكرة كتبها بالشراكة مع هالة دياب، في حين كتبت سيناريو الفيلم ديانا كمال الدين  وقد كان “فانية وتتبدد” ردا على شعار – داعش– باقية وتتمدد– وكان نبوءة  متفائلة للمخرج أنزور بانتصار الجيش العربي السوري على هذا التنظيم الإرهابي،  وحمل –نهاية متفائلة وليست بعيدة، فالوطن يحميه أبناؤه مهما اختلفوا – كما قال حين عرض الفيلم.

ثم أنجز أنزور فيلم “رد القضاء” وهو عن حصار سجن حلب ويقدم ملحمة في البطولة للجنود الذين حوصروا داخل السجن حوالي السنة مع المساجين، وكيف وقف الجميع صفا واحدا في وجه التنظيم الإرهابي.

أنزور هُدد بالقتل على أيدي التنظيمات الإرهابية، لكنه قرر المضي قدما في مشروعه الفكري الفني، وهو يلخص الموضوع ببساطة: لدينا رسالة هامة نريد تأكيدها ومفادها أن الدين الذي يدفعك لقتل الناس من اجل رفع راية الدين ليس دينا، والإله الذي يدفعك للقتل من اجل رفع رايته ليس إلهاً.

الفن باختصار هو رسالة مجتمع ووطن وأمة، ووسيلة لمواجهة عدو يكرس أدواته كلها لخدمة مشروعه العدواني، هذا ما يقوله أنزور الذي يحارب عدو الوطن بالأدوات التي يملكها وهي الفن والإبداع، وقد طور هذه الأدوات ليضيف إليها السياسة حين انتخب عضوا في مجلس الشعب للدور التشريعي 2016-2020 ثم نائبا لرئيس مجلس الشعب بالتزكية، ونأمل ان ينجح في مشروعه وطموحه السياسي دون أن يأخذه هذا المشروع من الفن والإبداع.

سلمى كامل