“البعث” تواكب فعاليات اجتماع المكتب الدائم لاتحاد الكتاب والأدباء العرب بدمشق ندوة “ثقافة التنوير”: الفكر الديني خضع لمقاربات مشوهة
تواصلت فعاليات اجتماع المكتب الدائم لاتحاد الكتاب والأدباء العرب في دمشق لليوم الثاني عبر وقائع الجلسة الثانية والأخيرة لندوة “ثقافة التنوير.. تحديات الراهن والمستقبل” التي بدأت فعالياتها أول أمس حيث تحدث د.طه حسن طه من الاتحاد القومي للأدباء والكتاب السودانيين في مداخلة بعنوان “ثقافة التنوير والراهن العربي” فقال:
تظل حاجتنا إلى ثقافة التنوير مرتبطة باسم خارطة عملية للطريق الذي ينبغي أن نسلكه، وهذا يتطلب منا وضع تصور موضوعي ورؤيا ثاقبة وانفتاح روحي وذهني، ولا يتم ذلك إلا عبر طرح أسئلة ذات صلة بجوهر التنوير، يكمن الحل في استيعابها والإجابة عليها بعملية اجتهادية تصدع بالثوابت والمسلمات التي لا اجتهاد فيها وتعالج القضايا الأخرى بفهم منفتح مؤسس ومستند إلى قيمنا الروحية، إنه اجتهاد مهم وضروري إذ بدونه نكون كمن يحرث البحر، كما علينا أن نحرص على أن تكون ثقافة التنوير عملية مستمرة، وأداة فاعلة في إحداث المتغيرات الإيجابية المستندة إلى نظرة موضوعية للراهن العربي بكل مفاهيمه وصراعاته وممارساته، فنحن بحاجة ماسة وفعلية لقيم تتناغم وتنسجم مع تاريخنا وأصالتنا، لذلك نشترط أن يكون التنوير متسقاً مع قيم وشروط حياتنا الواقعية والفعلية هادفاً إلى إخراج الفرد من وهدته وتخلفه، في ظل العديد من الصعوبات ومشقة الوصول إليه نتيجة الإحباطات والعثرات والمعوقات التي تقف دون الوصول إلى نتائج إيجابية، خاصة وأن تراكمات التاريخ تمثل كماً هائلاً من العوائق والحواجز.
وذكر د.طه عدداً من مظاهر الفكر منها: الغلو في نقد المدرسة السلفية التقليدية، وإظهار جمودها وانغلاقها على الواقع المعاصر، والاعتماد في تفسير النصوص الشرعية والأحكام الثابتة على العقل المجرد والمصلحة الذوقية وتأويلها وتنزيلها على أرض الواقع من خلال هذه الرؤية، والدعوة لتجديد الفكر الإسلامي وتأطيره من جديد، ونقد التيارات الإسلامية الحركية من غير تمييز واتهامها في مقاصدها بتسييس الدين لصالحها ووصمها بالانتهازية، والتأكيد المستمر على خيار الديمقراطية في الإصلاح، والدعوة لـ”الإسلام المستنير” كمخرج من الجمود والتقليد الذي تعيشه بعض المجتمعات الإسلامية، وتجلية التاريخ الإسلامي بدراسة سلبياته وإيجابياته وأسباب انحرافاته السياسية والفكرية.
التنوير في مواجهة الإرهاب
وتحدث د.شاهر إسماعيل الشاهر عضو اتحاد الكتاب العرب في سورية في مداخلته التي حملت عنوان “التنوير في مواجهة الإرهاب” في موضوع يؤرق الساسة والباحثين، ويشكل تهديداً حقيقياً لكل بلدان العالم وهو الإرهاب ودور الفكر والتنوير في مجابهته والتصدي له، في الواقع، كان على المؤسسات الفكرية العمل على تعزيز الوعي التنويري لدى الشعوب في مواجهة الخطر الذي يشكله هذا الفكر المتطرف والجماعات التي تتبناه. فـ “التنوير” ثورة كاملة بكل أبعادها في الفكر والعلم والثقافة والرؤية السياسية والممارسة، وليس مسألة إصلاح ديني، بل هو عملية شاملة ومنظومة متكاملة في الأدب والفن، العلم والثقافة، التربية والسياسية، تجعل من إنسانية الإنسان باعتبارها قيمة حضارية محوراً لفعلها الخلاق بما يحقق التطور والتقدم الحضاري في مسيرة التاريخ البشري، فتأتي محاولة التصدي للفكر الإرهابي ولتصويب المنطق بفكر تنويري يبدأ في تصويب الخطاب الديني الذي خضع لمقاربات مشوهة أخرجته عن سياق رسالته الحضارية والإنسانية.
وتطرق د.الشاهر إلى شروط التنوير حيث أكد أن تحقيق التنوير يتم بخمسة شروط هي: الإيمان: وهو مسألة فردية، وأن نؤمن بأن العقل والعلم لا يتناقضان مع الدين، وتعزيز الأخلاق في سلوكنا، والتمييز بين الدين والسلطة، والعمل على تحديث المجتمع. ويأتي دور الدولة في نشر التنوير ومواجهة الإرهاب من خلال مواجهة التيارات الدينية، والانتباه إلى التمييز الطبقي في المجتمع، فهناك تمييز في الوظائف والمناصب والمواقع السياسية، ومقاومة هذا التيار تتطلب إقامة العدل الاجتماعي، بالإضافة إلى التدخل الإيجابي للدولة وهو الذي يخفض التمايز لكل من الدولة والدين، فالدولة المدنية هي الحل للعديد من المشكلات الاجتماعية.
وتبرز أهمية التنوير عبر دوره في كشف حقيقة الجماعات الدينية السياسية وخطورة أفكارها من خلال تطبيق مشروع للإصلاح الديني والمجتمعي واحتواء فكري للشباب والتركيز على دور وسائل الإعلام في التوعية، وبالتالي فإن هدف التنوير هو تصحيح صورة العرب والمسلمين أمام المجتمعات الأخرى، وإنقاذ المسلمين أنفسهم من التخلف والإرهاب، وكف الأذى عن إتباع الديانات والمذاهب الأخرى، ورفع الضرر الذي يلحق بالمجتمعات غير الإسلامية بسبب الجماعات الإسلامية.
الجوائز
في ختام فعاليات اليوم الثاني، كرم الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب الأدباء الفائزين بجائزة القدس التي تعد من أرفع الجوائز، وقد خصها الاتحاد للمبدعين العرب وقام بتسليم الجائزة الأمين العام للاتحاد الأستاذ حبيب الصايغ من الإمارات ونوابه مراد السوداني من فلسطين ود. وجيه فانوس من لبنان، وقد نال جائزة القدس في النقد الأدبي د.نضال الصالح رئيس اتحاد الكتاب العرب في سورية، وحصل الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية د.محمد سلماوي من مصر على جائزة القدس في الرواية، وتسلم الأديب زكي درويش من أدباء فلسطين الداخل جائزة القدس عن فئة القصة القصيرة.
جمان بركات