من يطفىء هذه الاشتياقات
سلوى عباس
كما نجم يهوي لا يعلن وقتاً لسقوطه المدمي.. كدمعة تقف في محجر العين ثم تذوي لتطفئ الصيف وتغمر الأرض بالرماد.. هكذا وقعت كلماتك على مسمعي.. كوني قوية.. كوني أكثر قدرة على تحمّل انكساراتك المقبلة.. لاشيء يبقى وحده الله هو الحي الباقي، هكذا تريد أن تقول، وأنا التي لم أحتج يوماً أن أتسلح بالقوة أو برباطة الجأش، لأن شيئاً من هذا لم يلزمني.. لا أرى أن الحب أو الوداع يحتاجان لقوة البأس، ومع ذلك حاولت أن أكون قوية فأحافظ على صدع في الروح لئلا يستحيل هشيماً، حاولت أن أمسك بقلبي، أهدئ من اضطراباته قبل أن يذوب في صدري، وأن أبقي عينيّ مفتوحتين خوفاً من أن أغفو ولا أفيق.. قد يسير كل شيء هادئاً، والشمس قد لا تغير موعد شروقها والمغيب.. والأشجار تنمو، والعصافير لن تستكين في تقافزها على الغصون، لكنني كنت كنبتة صغيرة توقف عنها نسغها الشفيف فغزاها الاصفرار وذوت بين شقوق معتمة لا يطالها الضوء.
سلفني من عندك ممحاة للذكريات.. أعطني سكيناً أقص مساماً لامستك وأعصاباً نمت على حناياك.. أعطني موهبة أن أنسى وأن أحيل التباين في الأشياء مستوياً.. أساوي حبك بعدمه، والتماعة عينيك بالليل ورعشة قلبي حين ألقاك برعشة البرد.. كيف ذلك وأنا مسكونة بك.
ها أنا اللحظة موزعة بين حنيني إليك وخطوة أخرى في غير اتجاهك.. لا أرض تحمل حزني ولا سماء.. لاشيء يوقف انهياري.. وحيدة تماما إلا من أوراق كتبتها يوماً.. دهراً.. وحيدة إلا من هواجسي بك واشتياقي العميق لك.. باكراً يشرق الصباح بملامحك.. ينثر نسماته الندية فوق روحي.. ينادني طيفك.. يدغدغ مشاعري.. ومع لهفة الحب الهنية يهرب طيفي إليك.. أطير محلّقة في فضاء فردوسك الفسيح، أتنشق عبيرك الذي يحيي نسغ الحياة في عروقي، فمنذ عرفتك وأنا أسعى أن أجعل انجذابي إليك انتماء.. أحتاجك كثيراً.. أحتاج أن تهدئ اضطرام الشوق.. أن تربت على قلبي المتوتر كي يعود إلى صوابه.. أحتاج أن تمسح غبار روحي كي تكف عن جنونها واكتئابها.. سنوات قضيتها أبحث عنك لأعيد خيوط يديك إلى أجنحتي تطيّرني على هواك، وأتوارى في بياض غيومك خوفاً من أن أفلت منك..أرغب أن أمحي سنين القهر وطفولتي الهاربة لتزهر روحي بين يديك.. كنت أيقونتي التي قضيت عمري أبحث عنها.. وموطني وملاذي من عاصفات الأيام.. كنت قد أطلقت روحي في رحابك من يعيدها ثانية، من يلم هذه المشاعر التي أطبقت على الأفق.. من يطفئ هذه الاشتياقات التي تضيء السماء.. ها أنت تحاول اليوم أن تلم ما تبعثر مني.. تعيد ترتيب الشظايا.. كنت دائما أفتت فيك شملي لأجمعك.. لا تحاول أن تصنع لي ذاكرة جديدة، ولا تعيد تنظيم الزمن على غير ما كان.. كل المسالك تودي بي إليك.. لكنني لن أعيد طرق باب أغلقته يوماً في وجهي.