سمير طحان: المطلوب خطة إنتاج خاصة بسينما الأطفال
أنهى المخرج السينمائي محمد سمير طحان مؤخراً تصوير تجربة سينمائية أخرى له في مجال الإخراج من خلال فيلم “رائد فضاء” الذي يأتي ضمن مشروع دعم سينما الشباب للموسم السادس والذي تقيمه المؤسسة العامة للسينما. وعن جديده في هذا الفيلم وهو الذي سبق أن أنجز عدة أفلام سينمائية قصيرة بيَّن طحان أنه ينطلق دوماً من فكرة الفيلم في صياغة الصورة وكيفية تقديم القصة بعيداً عن البهرجة الزائدة واستعراض العضلات وعدم الغوص عميقاً في محسّنات الصورة لتكون أقرب للواقع، موضحاً أنه كمؤلف ومخرج لسيناريو “رائد فضاء” لا نزاع عنده ما بين الكاتب والمخرج إنما هناك تعاون مع الذات وإعادة صياغة للأفكار على أرض الواقع، ولكن هذه المرة عبر الكاميرا والممثلين وليس عن طريق الكتابة الفردية، حيث استفاد من كل معطيات الواقع من مكان ومتممات أخرى، راصداً التفاعل البشري المحيط مع الحالة أو الموقف وآراء كادر العمل بما يخص الخيار الأفضل لهذه الحالة، ولم ينفِ أنه في بعض الأحيان يعدّل ويكتب ويلغي مشاهدَ كتبها في السيناريو الأدبي وذلك لإيصال الفكرة بالشكل الأنسب وفق المعطيات المتاحة لتتحول من كونها بذرة على الورق لتغدو فيلماً على شاشة العرض يحمل مضموناً ورؤية تحاكي الواقع.
رائد فضاء
ويأتي فيلم رائد فضاء بعد عدة تجارب سبق وأن قدمها طحان، وما بين التجربة الأولى وهذه التجربة والتغيّر الذي طرأ عليه كمخرج عندما يتعامل مع الحالة الإخراجية كهاوٍ وهذا يجعله منفتحاً على التعلّم بشكل مستمر من خلال التجارب المتلاحقة والمشاهَدة وسؤال أصحاب الخبرة، مفضِّلاً في الوقت ذاته المحافظة على حالة العفوية التي يعمل بها، حيث ينطلق من رؤيته الداخلية للفيلم ومحاولة نقلها لصورة مجسّدة، أما عن التغير الذي طرأ فهو التعامل مع تقنية الإخراج كآلية تنفيذ، حيث يبقى لكل فيلم جوّه الإخراجي الخاص النابع من خصوصية القصة وطريقة سردها، ففيلمه الأول “اللعبة” كان ضمن أجواء سريالية في فضاء مسرحي يتداخل فيه الواقع مع الخيال عبر الرقص والتمثيل الإيمائي في سرد قصة فتاة مفجوعة بفقدان حبيبها، الأمر الذي فرض نمطاً معيناً من التعاطي مع الصورة والأداء التمثيلي، أما فيلميه “إشارة حمرا” و”رائد فضاء” فلهما برأيه خصوصية في الأجواء النفسية وآلية التعبير عنها من خلال الصورة وإن تشاركا برصدهما للحلم الطفولي بأسلوبين مختلفين.
المهمة الأصعب
ورأى طحان أن أصعب أنواع الكتابة هو الكتابة عن الأطفال ولهم، معتقداً أن هذا العالم موجود في داخلنا جميعاً، وتبقى قدرة الدخول إليه والتجول في أرجائه والتعبير عنه مرهونة بملَكات فردية أساسها الموهبة، مشيراً إلى ضرورة التركيز على ضرورة إطلاق العنان للخيال والتجرد من كلِّ المكبلات الواقعية التي لا يعترف بها الطفل في الغالب أو يكيّفها مع عالمه الخاص لتغدو حالة متشابكة ما بين الواقع والخيال، إلى جانب أن القيم النبيلة والرسائل الإيجابية يجب أن تكون حاضرة بطريقة سلسة بعيداً عن التلقين المباشر وأسلوب التعليم التقليدي لتصل هذه الأفكار والرسائل للأطفال بشكل عفوي وسلس، وهي المهمة الأصعب، منوهاً طحان إلى أن نصه “الدمية المحاصرة” نال عام 2015 جائزة ضمن مسابقة سيناريو سينما الطفل.. من هنا أكد أن مسابقتَي السيناريو لسينما الطفل وسينما الواقع الراهن اللتين تقيمهما المؤسسة العامة للسينما منذ العام 2015 هما بغاية الأهمية لفتح الباب أمام المواهب المغمورة وغير الاحترافية لتقديم ما لديها في مجال السينما، خاصة وأن هذا الفن ظل لسنوات طويلة حكراً على المشتغلين فيه ممن درسوا السينما أو اكتسبوا الخبرة، ولكن في الوقت ذاته رأى طحان أن هناك حاجة لوجود خطة عمل لدى المؤسسة لإنتاج النصوص الفائزة في هاتين المسابقتين، حيث أن أغلب النصوص لم ترَ النور حتى الآن، وهو يرغب بإخراج نص “الدمية المحاصرة” وهو فيلم فيه الكثير من الشفافية التي تلامس عالم الطفل المهجَّر من بيته وعلاقته مع عالمه البعيد والحنين إليه، ولكن يبقى الموضوع بيد مؤسسة السينما كونها هي المالكة للنص حالياً.
حاجة ضرورية
وأكد طحان أن التأسيس لسينما الطفل في سورية بشكل صحيح يتطلّب بالدرجة الأولى أساسيات سينما الطفل وهي كلها موجودة لدينا من أفلام مختصة وكوادر مؤهَّلة، ولكن ما ينقص هو وجود خطة إنتاج سنوية طموحة خاصة بسينما الأطفال لدى مؤسسة السينما، مع ضرورة إقامة مهرجان لهذا النوع من السينما، خاصة مع وجود مشاريع طموحة تهتم اليوم بمواهب الأطفال التمثيلية والإخراجية، ومنها ما تقيمه مؤسسة السينما أو غيرها من الجهات الرسمية والأهلية، ولعل الفترة القريبة القادمة برأي طحان ستترجم هذا التوجه بإقامة هذا المهرجان الذي بات حاجة ضرورية لجيل الغد، مع تأكيده على أنه لا يرغب بحصر توجهه الفني أو الإعلامي ضمن أطر ضيقة أو محدودة، مفضلاً دائماً التعبير عما يجول في داخله دون الكثير من التخطيط والتنظير، مع إشارته إلى أن لديه مشروعه الثقافي الفردي الذي يعمل عليه بتأنٍّ من خلال الكتابة الأدبية والإعلام والفن حسب الظروف المتاحة، وهو قائم على ضرورة إبراز القيمة الإبداعية لدى الإنسان السوري، مع الالتزام بقضاياه الإنسانية والفكرية والثقافية والوطنية بعيداً عن الشعاراتية والكليشيهات التقليدية تعبيراً عن إثبات الوجود لدى هذا الإنسان وإبرازاً لقدرته على ممارسة الحياة للوصول لمستقبل مرتجى.. من هنا لم ينكر طحان أن مشاريعه المستقبلية كثيرة ولكنها مرهونة بالظروف والسبل المتاحة لتخرج للعلن، حيث لديه الكثير ليقوله في مجال السينما الروائية والوثائقية والدراما التلفزيونية، كما لديه مجموعة قصصية يعمل عليها مع مجموعة شعرية إلى جانب عمل مسرحي متمنياً أن يرى النور قريباً، وكلها تأتي بالتوازي مع عمله الإعلامي الذي يأخذ جلَّ وقته، ومع هذا رأى طحان أنه لم يقدم من أفكاره سوى النذر اليسير وهو اليوم لديه حنين للعودة إلى مجال الرسم بعد ابتعاد لسنوات عنه بسبب ظروف الحياة والعمل.
أمينة عباس