تحقيقاتصحيفة البعث

يلجؤون إليه.. الكذب عند الأطفال.. محاولة للهروب من المسؤوليات.. وأسلوب لإثبات الحضور

 

لا يستطيع الكبار دخول عالم الأطفال بسهولة، فهو مليء بالتخيلات والأحلام والقصص التي تأخذهم إلى حدود بعيدة، ويبقى هذا العالم جميلاً بالنسبة لهم حتى تتداخل هذه القصص مع الواقع، وتتحول إلى كذبة، ما يثير القلق والمخاوف المتعلقة بحالة الطفل حول ما إذا كانت طبيعية، أو أنها تتحول إلى مشكلة لديه، بينما يعتقد الطفل أن سرده لتلك التخيلات مجرد لعبة غير مخطط لها، ودون تفكير مسبق من الطفل، فتختلط عليه الأمور، ولا يستطيع التمييز بين الصحيح والخطأ، فتتحول القصة إلى كذبة، فالحلم بالنسبة للطفل هو حقيقة، وعندما يريد التعبير عن أي شيء يلعب خياله دوراً كبيراً في تحريف ما رآه، كما يلجأ الطفل إلى الكذب في حالات عديدة تسمح له بالحصول على ما يريده، أو دفع من حوله لتقديم الرعاية والحب والاهتمام، وهناك أسباب كثيرة أخرى ترتبط بحالة الكذب عند الأطفال، منها الحرمان، والقلق، وعدم المساواة مع أقرانه.

 

تهيئة الطفل

إن أخطر أنواع الكذب لدى الأطفال هو ما يسمى الكذب المزمن، لأنه سيلازم الطفل إلى آخر العمر ما لم يتم علاجه بطرق تربوية سليمة، وهنا ترى الدكتورة التربوية سيلينا محمد أن علاج الكذب عند الأطفال يتطلب دراسة واقع الطفل، وفهم الدافع الحقيقي الذي جعل الطفل يكذب، ومعرفة نوع الكذب على وجه التحديد، والبعد عن الأسلوب الساخر، والضرب والتوبيخ والتشهير بالطفل بين أقرانه، ولابد من توفير بيئة مناسبة مهيأة للصدق، وقول الحق والاستقامة من خلال تجنب الكذب أمامه، وخداع  الطفل، وقول الحقائق أمامه، وعدم اللجوء إلى الأعذار الكاذبة، أو إطلاق نكات كاذبة، بالإضافة إلى الابتعاد عن أي ظرف يشجع الطفل على الكذب، وتتابع محمد: لابد من إبعاد جميع الظروف التي من شأنها تهيئة الطفل للكذب كالشدة والعقاب المبالغ بهما، كما يجب أن يحرص المربون والأهل على عدم إعطاء الطفل أية فرصة للإفلات بكذبته، وتركه دون اكتشاف أو محاسبة، لأن الطفل يشعر بلذة الكذب والانتصار إذا تركوه دون محاسبة، وحتى لا يتشجع على اقتراف الكذب مرة أخرى، كما لا يجوز وضع الطفل في ظروف ومواقف صعبة تمنعه من قول الصدق، وإحراجه أمام أقرانه، فمن أكبر الأخطاء إيقاع العقوبة بالطفل بعد تشجيعه على الاعتراف بذنبه وقول الصدق  كي لا يفقد ثقته بالآخرين، ويضعف مكانة الصدق في نفسه، أما في حال كذب الطفل فيجب عدم المبالغة في الحساب، واستخدام عقاب تربوي باعتماد الموعظة والنصيحة.

 

أسباب الكذب وعلاماته

لا يخلق الطفل كاذباً، بل يتأثر بالبيئة التي يعيش فيها كشعوره بالغيرة، وخصوصاً من أشقائه أو أحد أفراد الأسرة، ما يدفعه للكذب لمضايقتهم، دكتور علم النفس حسان صافي يرى أن التكاسل عن القيام ببعض المهام والأعمال الموكلة للطفل يدفعه في كثير من الأحيان إلى الكذب وادعاء المرض، وبذلك يتخلص من هذه المهام، بالإضافة إلى حصوله على الاهتمام والرعاية المضاعفة من قبل المحيطين به، ويتعمد الطفل لفت انتباه الآخرين من خلال الكذب عند شعوره بنقص الاهتمام، أو عدم انتباه الآخرين لما يقوله لهم، لذلك يلجأ لإضافة عامل الإثارة والتشويق، وذلك لتحقيق مشاعر النجاح، وتحقيق الذات في نفسه، كما يلجأ الطفل إلى خياله لتكوين قصص وهمية وغير واقعية لمعرفة رد فعل المستمعين له، فالرغبة في ذلك تدفعه للكذب، وتكوين القصص، والحكايات المختلفة، ويقول صافي: إن علامات الكذب تظهر عند الأطفال، إذ تتغير ملامح وجهه، بالإضافة إلى انخفاض الصوت، وتغير نبرة الكلام مع الحكة المستمرة للجسم، وخصوصاً الرأس، وتلاشي النظر في وجه الآخرين، والنظر للجهة اليسرى من الجسم، ويصبح الحلق جافاً عند الكذب، لذلك يحاول الطفل بلع لعابه للتخلص من هذا الجفاف.

تعامل خاطئ

علاج الكذب عند الأطفال يعتبر من أهم المشكلات التي تتحدى الأهل والعائلة، وحتى في المدرسة، وتسبب لهم القلق والحيرة في اختيار الطريقة الصحيحة للتعامل مع الطفل، والبحث عن حلول قبل تفاقم المشكلة وتطورها لتصبح عادة ترافقه مدى الحياة، ومن وجهة نظر صافي  تبدأ هذه العادة عند الطفل في عمر صغير للتهرب من بعض الأمور السيئة التي قام بها، وقد يجد أن الكذب أسهل الطرق للتعامل مع الأهل والأشخاص الذين حوله لكي لا يتعرّض للتوبيخ، وقد يكون الخوف أيضاً من المسببات الرئيسية لظهور هذه العادة، والمشكلة تكمن في التعامل الخاطئ مع الطفل من قبل محيطه ظناً بأنها طرق صحيحة، وستحل المشكلة، كوضع الطفل في دائرة الشك بشكل دائم، فلا يصدقه أحد حتى لو قال الحقيقة، لذلك على الأهل معرفة كيفية التعامل مع الأسباب التي ساهمت في لجوء الطفل للكذب من أجل حل المشكلة من جذورها، هنا لابد من التنويه إلى أن الدلال الزائد للطفل يدفعه للكذب نتيجة الغيرة والحرية الزائدة، حيث يبيّن صافي خطورة وصف الطفل بالكاذب، لأن ذلك يدفعه إلى التشبث بهذه العادة، وعدم التخلي عنها، وفي هذه الحالة يجب كشف كل الأكاذيب التي يقولها وعدم تصديقه من خلال إفهامه بأن كلامه غير دقيق، وإظهار الحجة أمامه، بالإضافة إلى تحميله عواقب هذه الأكاذيب كي لا يستمر بالكذب، والتفكير ملياً قبل أن يكذب، ومن أهم الحلول حرمانه من ألعابه الالكترونية المفضلة، والمصروف، فالتربية تعتبر السبب الرئيسي لكذب الأطفال، لذلك فإن التربية المعتدلة وغير المتسلطة تعتبر من أهم أساسيات التربية الصحيحة للأطفال التي تمنع مثل هذه العادات من التطور، وتحولها لجزء من شخصية الطفل.

ميادة حسن