طيـــــر ولكنـــــه معطـــــوب الجنـــــاح
تشكو المؤسسة العامة للطيران المدني ومؤسسة الطيران السورية من تراجع متسارع في نشاطهما المعهود، خلافاً لما يقتضيه الصالح الوطني العام، المتمثل بوجوب النهوض العاجل بهذا القطاع، باعتباره صلة الوصل الأساسية الأسرع، التي تربطنا مع العالم الخارجي، إذ من غير المقبول ألا يتم الاستثمار الأفضل لآلاف العمال المعينين على ملاك المنشآت والمعدات والآليات والطائرات، ونصل إلى وقت تدرج فيه المؤسسة بين المؤسسات المتعثرة أو الخاسرة، وخاصة حال كان هذا الإدراج خلافاً لما هو حقيقة، كما حدث قبل سنوات حيث تم اعتبار أحد الخطوط الجوية خاسراً، في حين كان قد حقق أرباحاً ملحوظة.
لا جدال أن للظروف الاقتصادية الراهنة والسابقة تداعياتها، التي توجب جواز التفكير باستقدام شركات نقل جوي محلية وخارجية، للاستثمار في مجال النقل الجوي، إلى جانب القطاع العام، ولكن الاتجاه نحو تحرير النقل الجوي بشكل مفتوح مسألة يحب التوقف عندها ملياً، فإن تكن المصلحة العامة تقتضي وجوب حضور القطاع الخاص، ولكنها تقتضي أيضاً، ألا يكون هذا الحضور على حساب تقزيم وتحجيم المؤسسات الوطنية الأم، صاحبة الأرضية الأساس لهذا القطاع، بل من المتوجب أن تكون الشركات الخاصة مكملة لعملهما، لا مزاحمة لهما، وشريطة أن تعمل هذه الشركات تحت رقابة المؤسسة العامة للطيران، منعاً لحدوث أية تجاوزات ذات منعكسات خطرة شعبياً ورسمياً ودولياً، قد ترتكبها شركات النقل الجوي الخاصة، ومشكورة السلطات الرسمية على حضورها الهام وتحقيقها وإجراءاتها الصارمة –قبل سنتين- عندما اكتشفت وعالجت مخالفة كبيرة وخطيرة، تمثلت بوجود حمولة كبيرة في طائرة عائدة لإحدى الشركات الخاصة، كانت قيد الصعود الجوي، والتي كانت ستودي بكارثة، لولا اكتشافها وإيقاف رحلة الطائرة، التي هوى جناحها وهي مازالت على الأرض، نتيجة الحمولة الزائدة.
مدعاة للاستغراب أن عدد طائرات الأسطول الجوي يتناقص بدلاً من وجوب تحقق الزيادة، إذ هبط عدد الطائرات العائدة للمؤسسة من حوالي عشر طائرات عام /2009/ إلى طائرة واحدة فقط، أو طائرتين في هذه الأيام، والمعاناة قائمة بشأن إعادة تعمير طائرات قديمة بكلفة عالية ومديد من الوقت، أو استئجار طائرات بكلفة محط النقاش في جدواها الاقتصادية، والأكثر غرابة تمثل بعدم استجابة المؤسسة لعرض سابق من إحدى الدول تضمن عرض شراء عشر طائرات مع بعض التسهيلات.
نعم من المقتضى إعادة هيكلة مؤسستي الطيران المدني والسورية للطيران، ولكن بما يضمن الحرص على استمرار ملكيتها لكامل منشآتها وتحديث وتوسيع وزيادة هذه المنشآت، ولا من حرج أن يقتضي ذلك فتح المجال للاستثمارات الخاصة –جزئياً أو كلياً- لبعض خطوط النقل الجوي، شريطة أن يتم ذلك بموجب تراخيص رسمية وفق تعليمات واجبة الالتزام، ورسوم واجبة التسديد جراء استخدام شركات النقل الخاص للمنشآت العائدة للدولة، بالتوازي مع تفعيل الحضور الميداني –في مجال النقل– للمؤسسة العامة للطيران ولمؤسسة الطيران المدني السورية، زيادة عما هو معهود، أي استبعاد قصر حضور المؤسسة العامة للطيران ومؤسسة الطيران المدني على المجال الإداري فقط، واجتناب طغيان النقل الخاص، في المجال الجوي على غرار طغيانه في المجال البري، فالمجال الجوي حساس جدا، وحبذا أن يتم استدراك حضور الدولة في مجال النقل البري، وتمكين حضورها في مجال النقل البحري، خاصة أن الدولة تملك مرفأين كبيرين في اللاذقية وطرطوس، فالتعددية الاقتصادية، مدخل للتنافس البناء بين القطاعات، ومخرج اقتصادي لتحقيق أفضل إنتاج كماً ونوعاً.
إن إعادة الإعمار المزمع العمل له والبدء به، يوجب وجود أولويات يتم تفضيلها برصد المبالغ المالية اللازمة، وتحديد التوقيت الزمني لتنفيذ الأكثر إلحاحاً منها في ضوء قراءة الواقع الاقتصادي، وعلى الجهات المعنية -وزارة النقل المؤسسة -العامة للطيران- مؤسسة الطيران المدني، أن تضع رئاسة مجلس الوزراء في كامل حيثيات النقل الجوي، وليس من الجائز أن يتاح للمراقبين أن يقولوا أن الطيران السوري بمثابة النعامة، طير ولكن لا يطير، وليس من الجائز أن يخفي واقعه بأن يضع رأسه تحت جناح طائرة، ظناً أن الآخرين لا يرونه. وربما لا يعلم عامة الشعب هذا التراجع الكبير في حضور الطيران السوري، ولكن المستغرب هو صمت عامة المسؤولين الذين يعرفون ذلك…
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية