مع الأحداث “الخوف” يهز الإدارة الأمريكية
لطالما كان البيت الأبيض بيت الأسرار الذي ينفذ أجندات الدولة العميقة بعيداً عن الضوضاء الإعلامية، وكان المكان الذي عجزت دول عن فك أسراره لسبر عقلية المفكّر الأمريكي، إلا أن هذا الوضع تغيّر وانقلب رأساً على عقب مع قدوم دونالد ترامب، حيث سادت الفوضى وانعدم الانضباط والنظام داخل أهم معقل أمريكي، ما أدى إلى انكشاف ما يدور داخل أروقة بيت صانع القرار.
يدلل على ذلك حجم المعلومات الخطيرة والسرية التي بدأ الكتّاب ينشرونها في كتب عن حجم عدم ثقة المسؤولين بالرئيس وأسلوب تعامله مع العديد من القضايا، وصولاً إلى كشف أنهم كانوا يحجبون عنه مستندات مهمة خوفاً من تهوّره. إذاً هذا هو حال البيت الأبيض الذي يسعى موظفوه باستمرار للسيطرة على زعيم يمكن أن يتسبب جنون الارتياب لديه وغضبه بشل العمل لأيام، مقابل ممارسة ترامب ضغوطاً هستيرية على موظفيه لتنفيذ أوامر يمكن أن تؤدي إلى أزمات كبرى، ولا يترك أمامهم سوى خيار تجاهل أوامره.
إن المأزق الحقيقي الذي يواجه الرئيس ترامب، ولا يفهمه بشكل كبير هو أن عدداً كبيراً من مسؤولي إدارته يعملون من الداخل لإحباط أجزاء من أجندته ورغباته، لأن ترامب يظهر القليل من الامتثال للمبادئ التي اعتنقها المحافظون، وقام بخرق هذه المبادئ في جلسات مغلقة، وحالة الفوضى وعدم الاستقرار داخل الطواقم الإدارية وخاصة بين أعضاء الحكومة دفعتهم للتهامس حول اللجوء لمادة التعديل الدستورية الـ25 والتي تخوّل البدء بمسار دستوري لعزل الرئيس. و الحقيقة فإن كتاب ، “الخوف.. ترامب في البيت الأبيض” الذي سيوزع رسمياً في الحادي عشر من أيلول الحالي، لن يكون الأول من نوعه الذي يكتب حول ترامب و”فضائحه” الشخصية والسياسية، فقد سبقته كتب أخرى كــ “نار وغضب”، و”المعتوه.. مشاهدة من بيت ترامب الأبيض”، لكن الملفت هنا في هذا الكتاب أنه يعرف عن كاتبه بوب وودورد، بأنه مفجر فضيحة “ووترغيت” التي دفعت الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون إلى الاستقالة عام 1974، ويوصف بأنه الصحفي الأكثر شهرة، ويلقب بـ “حامل مفاتيح البيت الأبيض”.
قد يكون وودورد وراء عزل الرئيس الشعبوي، لأنه استطاع توظيف المعلومات السرية عن البيت الأبيض بطريقة ستقلب موازين القوى لصالح النسق المحافظ في الولايات المتحدة، مستنداً إلى أن كبار معاوني ترامب لا يأبهون بتعليماته، بسبب ما يرونه سلوكاً “مدمراً وخطيراً” لديه، ومعلومات عن جون كيلي، كبير موظفي البيت الأبيض، الذي وصف ترامب بـ “الأحمق”، وعن وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس الذي قال: إن ترامب لديه فهم شخص في “الصف الخامس أو السادس ابتدائي”، ومحامي ترامب الشخصي السابق جون دود الذي كشف أن ترامب “كاذب” متوقّعاً أن ينتهي به المطاف في “بذلة برتقالية” في السجن إذا ما وقف أمام رئيس لجنة التحقيق الخاصة لروبرت مولر، فهل يفعلها وودورد؟.
علي اليوسف