شروطنا السيادية هي الأساس لاختيار ما يناسب مصالحنا تهافـــت الشــــركات الأجنبيـــة للاســـتثمار فـــي ســـورية يســـتوجب الفلتــــرة والغربلـــة
لن نخوض بتفاصيل غنى سورية بخاماتها الطبيعية والبشرية، على اعتبار أن هذا الموضوع نال نصيبه الكبير من الدراسات الرسمية والتقارير الاقتصادية، وحظي أيضاً بنصيب أكبر من الإعلام، مع الإشارة السريعة إلى أن الاستثمار في سورية لا يزال بكراً في العديد من المطارح التي لم تكتشف آفاقها بعد، وعندما نتعمق في الدراسة وفي التحليل، سنجد أن إمكانية الربح في سورية أعلى من أي اقتصاد في العالم، خاصة بعد تخفيض معدل الضريبة في السنوات الأخيرة إلى أدنى مستوياتها مقارنة بكثير من دول العالم، إضافة إلى أن مؤشرات البنك الدولي إيجابية جداً وتبين أن هناك مزايا كبيرة للمستثمر في سورية سواء ما له علاقة بالموارد، أم بقوة العمل، أم بالفرص الكبيرة.
من الأرشيف
نذكر جيداً أنه في عام 2012 وبالتزامن مع دخول سورية في فصل جديد خانق من فصول الأزمة، وتصاعد حدة الأوضاع الأمنية، تداولت وسائل الإعلام المحلية خبراً يفيد بافتتاح شركة بترو لحقول النفط (Petro oil fild fze) فرعاً لها في سورية، بالتزامن مع بداية لهجرة بعض -إن لم نقل أغلب- رأس المال المحلي أو بالأحرى تهريبه بحثاً عن الأمان، ما أعطى وقتها مؤشرات إيجابية عن جاذبية الاستثمار في بلد هجره معظم مستثمريه المحليين قبل الأجانب، وأن هناك من يقتنص الفرص لبناء استثمارات لمرحلة ما بعد الأزمة مستغلاً تدني حدة المنافسة – وانعدامها أحياناً- لتنمية المشاريع والاستحواذ على أكبر نسبة ممكنة من السوق..!
مزايا
الآن ومع تصاعد الخط البياني لتحسن الأوضاع الأمنية نجد تهافت الدول وشركاتها باتجاه الاستثمار في سورية، وما الحديث عن العقود هنا، وعن التفاهمات هناك، وزيادة وتيرتها خلال معرض دمشق الدولي إلا ويصب في هذا المنحى، ويؤكد أن سورية عانت من (وعكة صحية وليس مرضاً مزمناً)، وأنها لا تزال تتمتع بمزايا استثمارية أكبر من سواها – رغم ما تمر به من ظروف صعبة – وذلك بحكم موقعها الاستراتيجي وتنوعها البيئي والجغرافي الذي يؤدي إلى توافر العديد من الموارد الطبيعية، إلى جانب الكوادر البشرية الخبيرة والمؤهلة، إضافة إلى أن مستوى الدخل في سورية أقل من أية دولة مجاورة، ما يعني تحقيق عوائد مجزية للاستثمار فيها وفق معايير الجدوى الاقتصادية المتعارف عليها عالمياً وبالتالي تقليل فترة استرداد رأس المال.
أعلى مردودية
وإذا ما اتفقنا على أن مرد هذا التهافت يعود إلى أن الاستثمار في سورية اليوم له أعلى مردودية من أي استثمار في العالم –وهذه حقيقة يؤكدها الخبراء العالميون قبل المحليين- وذلك على اعتبار أن سورية مقبلة على مرحلة إعادة الإعمار، وبالتالي فإن الاستثمار في الأخير مجزي وعوائده سريعة، فعلى الحكومة وقطاع الأعمال باعتباره شريكاً في العملية التنموية، التركيز على حيثية مهمة وهي أن يكون هناك استثمارات مباشرة تأتي برؤوس أموال، وتأتي كذلك بتكنولوجيا لتوطينها لاحقاً، شريطة أن يكون هناك تعاون ضمن إطار التشاركية ما بين سورية والسوريين من جهة، وما بين تلك الدول الحليفة والشركات التابعة لها من جهة ثانية.
تحذير
وربما يجدر بنا التحذير من محاولات بعض الدول التي حاربت الشعب السوري، لحجز حصة لها في عملية الإعمار عن طريق شركات بدأت تُؤسس لهذا الغرض بشكل غير مباشر للدخول من الباب الخلفي متخذةً من الدول التي كان لها موقف حيادي حول ما يجري في سورية أو الدول القريبة وخاصةً لبنان التي تحاول بعض دول العالم اليوم أن تبرهن بأنها بلد مستقر، وأن هناك استقراراً كبيراً في هذا البلد الذي يهمنا بالفعل أن يكون مستقراً سياسياً واقتصادياً، لكي تحظى بحصص دسمة في عملية الإعمار، ما يعني بالنتيجة ضرورة التدقيق برؤوس أموال هذه الشركات وأصحابها ومالكيها والمؤسسين والشركاء الحقيقيين لها والعاملين في الخفاء. وربما أيضاً لا نستبعد وجود مآرب لدى كل من الأوربيين والأمريكيين الذين يتحدثون عما يشهده لبنان من استقرار تمهيداً لأن يكون مركزاً لتأسيس الشركات الأمريكية والأوربية التي ترنو إلى الدخول لسورية والاستثمار فيها، ولاسيما أن لدى شركاتها رهاناً كبيراً على ملف الإعمار.
قراءة
يمكننا قراءة استمرار تدفق المستثمرين إلى سورية في الوقت الراهن بأنه سباق غير معلن لاقتناص الفرص الخام للاستفادة منها لاحقاً وتحقيق إيرادات غير مسبوقة، وهذا أمر طبيعي في عالم رأس المال الذي لا جنسية محددة له، ومن حق أصحابه اقتناص الفرص، فهو يأخذ جنسيته من البلد الذي ينمو فيه ويحقق إيرادات عالية، وهذا شيء طبيعي ولا ضير فيه، خاصة أن الجسم الاقتصادي السوري لم يتعطل بالكامل في أحلك ظروف الأزمة فما بالكم الآن بعد دخوله مرحلة التعافي..!
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com