الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

خلجات روح

سلوى عباس

الحب موجود ولا يمكننا نكرانه ولا أن نعيش بدونه، لكن ربما أخطأنا بتقييده وحصره بالعلاقة بين رجل وامرأة، لأنه كمفهوم أشمل من ذلك بكثير، فهو ينشأ معنا منذ لحظة الحنان الأولى التي تغدقها الأم على طفلها، ويتنامى ويكبر ليتمثل بمكونات شخصيتنا كلها، وهذا ما عشته منذ أن وعيت الحياة في كنف أسرة أغدقت علي الكثير من حبها وحنانها، فكان زادي ومخزوني الذي أعيش فيه مع محيطي، ومع الناس الذين افتقدت الوفاء لدى كثيرين منهم، لكنني عندما يحضر الحب في روحي لا يمكنني أن أعيش خارج إحساسي به، ولا أن أسمع إلا صوته، لأنني حينها أكون في إنصات لقلبي وروحي تداني خلجاته وشجن الناي الصامت في بوحه، ويستيقظ قلبي ليرى ألوان الحياة، وأنا حسب ما أزعم أنني محاطة بالأرواح التي تشاركني حياتي، وحتى الآن مازلت عند زعمي هذا، لكن منذ أيام قادني الحديث مع أحد الأصدقاء إلى أتوقف مع قناعاتي التي عشت عمراً أمارسها سلوكاً مع أهلي وأصدقائي بأن الحب قيمة أسمى لا يضيرني الاعتراف به عندما ينتابني تجاه شخص ما، لكن صديقي كان له رأي آخر، إذ تطرق للموضوع من وجهة نظر المجتمع الضيقة، فبرأيه أن المجتمع يوافقنا ويهلل لنا عندما نعبّر عن كرهنا لشخص ما، لكنه قد يقيم علينا الحد إذا جاهرنا بحبنا لشخص نرغب أن يشاركنا إحساسنا الجميل والشفاف، فهذا غير متاح لنا التعبير عنه إلا في نطاق ضيق قد يفهمنا فيه مجموعة من الأشخاص المقربين منّا، لكن أن نعترف به على الملأ فهذا محرم علينا.

كلام صديقي يحمل الكثير من الواقعية خاصة وأنه كرجل خًبِر المجتمع وقيمه وتفاصيل سلوكياته أكثر مني أنا التي تأسرني لهفة الحب وعندما يُسرق قلبي، فإن سارقه يتسلل عبر روحي ولا أنتبه لمن يمكن أن يضبطني متلبسة بالحب بكل كياني، لكن هذا بعرف العالم مرفوض خاصة وأن العادة درجت في مجتمعاتنا على اعتبار اعتراف الأنثى بالحب من المحرمات التي لا يجوز التفكير بها، وكأنه عمل مشين، فيبقى سراً نعيشه بيننا وبين أنفسنا، هذا السر الجميل التي تحتفظ الأنثى به داخلها لكي لا يحيله البوح والجهر به إلى رذيلة.. نعم رذيلة ومن مَن؟! من رجل لم ترتكب أي ذنب بحقه إلا أنها أحبته.

الحقيقة كلام صديقي أثار العديد من التساؤلات داخلي: هل الحب جرم يحاسب عليه القانون والدين؟! وهل الصراحة من السلوكيات المرفوضة في مجتمعنا لانستطيع أن نعيشها ضمن كم الكراهية التي يروج لها الكثيرون تجنباً لذنب لا يغتفر، للأسف يتمتع الرجل دائماً، في مجتمعنا، بجملة من المكاسب التي تمنحه الحق بأن يحب ويعشق ويصارح حبيبته بمشاعره دون أن يحاسبه أحد على ذلك أو يقيّم تصرفه هذا، ولكن ماذا لو تجرأت المرأة على ارتكاب نفس هذا الفعل؟! سيكون ذلك الاعتراف كفيلاً بتوجيه المئات من أصابع الاتهام والشك نحوها.

ولكن أين هي المشكلة هل هي في تفكير الرجل الذي يحب أن يستأثر ويكون السبّاق في كل شيء حتى بالاعتراف بالحب؟! أم هي في الفهم الخاطئ لأصول التربية التي نشأنا عليها؟ وباعتقادي الرجل الذي يرى في بوح الأنثى بحبها ذنباً، هو ذاته يستطيع أن يفهم الحالة بإيجابية أكثر، ويعتبر اعترافها بمشاعرها حالة من المشاعر الصادقة والنبيلة تريد أن تخصه بها وحده.