أما آن للمشروعات الصغيرة والمتوسطة أن تكبر عدداً وعدة
من المجمع عليه أن للمشروعات الصغيرة والمتوسطة دوراً كبيراً في تمكين تشغيل عشرات آلاف الأيدي العاملة بالقرب من أماكن سكنها، ما يوفر عليها مشقات ونفقات السفر والسكن، ويمكنها من استثمار بعض وسائل الإنتاج المتوفرة لديها، وسبق أن أحدثت حكوماتنا السابقة هيئة معنية في هذه المشروعات بموجب القانون رقم /71/ لعام /2001/ تحت اسم هيئة مكافحة البطالة، والتي استمر عملها حتى أواخر عام /2006/، وتمكنت عبر الآليات التي اتبعتها آنذاك من المساعدة في إحداث آلاف المشاريع، ما أمن فرص عمل لآلاف طالبي العمل، ولكن التطوير والتحديث الذي كان متوجباً حدوثه في هذه الهيئة، تجلى في إلغائها، وإحلال هيئة جديدة بديلة عنها لممارسة نفس النشاط، تحت اسم الهيئة العامة للتشغيل وتنمية المشروعات، بموجب المرسوم /39/ لعام /2006/، والذي بدأ العمل به في بداية عام /2007/ واستمر قائماً لمدة تسع سنوات، دون أن تثمر الهيئة الجديدة إلا عن تحقيق جزء بسيط جداً مما حققته الهيئة السابقة التي استمرت لمدة /6/ سنوات فقط.
لقد اعترضت عمل الهيئة الجديدة صعوبات في ضعف تمويل المشاريع، ومعاناة توفر ضمانات التمويل حال توفره، ومعاناة الوفاء بالتسديد، عدا عن الصعوبات الإدارية بشأن الترخيص، ما أعاق إحداث العديد من المشاريع، وكان من المتوجب صدور تشريعات وتعليمات تخفف الكثير من ذلك، ولكن القصور في هذا الشأن كان واضحاً خلال السنوات الخمس الأولى من عمر الهيئة، وتكرس هذا القصور خلال السنوات الأربعة الأخيرة، نتيجة الحرب التكفيرية التي يشهدها القطر منذ عام /2011/، ما أظهر الهيئة بمظهر العاجز عن تحقيق ما أوكل لها من مهام في مرسوم إحداثها، ما دفع السلطات الرسمية باتجاه إجراء جديد.
تجلى هذا الإجراء من خلال إحداث هيئة بديلة تحمل اسم “هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة”، وتعمل بنفس مقرات وكوادر الهيئة السابقة، وذلك وفق القانون رقم /2/ لعام /2016/، والذي نصت المادة الثانية منه على إحداث الهيئة وإحلالها محل الهيئة العامة للتشغيل وتنمية المشروعات، بما لها من حقوق وما عليها من التزامات، ويدير الهيئة مجلس موسع يضم وزير الاقتصاد ومعاونه ومدير الهيئة، وممثلين عن وزارات الصناعة والزراعة والإدارة المحلية، ومصرف سورية المركزي وهيئة التخطيط واتحاد غرف الصناعة واتحاد غرف التجارة واتحاد المصدرين السوريين، وقد تضمّنت المادة الثالثة من القانون المزيد من أهداف ومهام الهيئة، والتي في طليعتها رسم سياسات وبرامج تطوير قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والتنسيق والربط بين استراتيجيات وخطط التنمية المتوازنة، وخطط تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والتنسيق بين الجهات العامة والخاصة والأهلية ذات الصلة، والعمل على زيادة إنتاجية المشروعات الصغيرة والمتوسطة القائمة وتحسين أدائها، ومتابعة إحداث وتطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وإعادة هيكلتها بما يتناسب مع تبسيط الإجراءات وتخفيض الوقت والتكاليف اللازمة بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، والمساهمة في توفير فرص عمل لخريجي الجامعات والمعاهد المتوسطة، على أن تضع الهيئة الآليات الخاصة بكل مهمة من مهماتها، وتطور البرامج المناسبة للقيام بهذه المهمات، وترصد لها الاعتمادات اللازمة في موازنتها السنوية، وأن تنسق الهيئة نشاطاتها التمويلية وخدماتها الداعمة مع خطط التنمية الحكومية، وبما يعزز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، على أن تضع الهيئة -وفق المادة /9/- مشاريع خططها القصيرة والمتوسطة والطويلة الأجل لجميع مهماتها وبرامجها وفعالياتها، وتناقش وتصدق من السيد الوزير، علماً أن المادة /7/ نصت على أن يكون للهيئة موازنة خاصة بها يقرها الوزير، بناء على اقتراح مجلس الهيئة وموافقة وزير المالية، والمادة /12/ تقول: يكلف المدير العام بأن يقدم تقارير فصلية موجزة وسنوية موسعة للمجلس تظهر نشاطات الهيئة، وتشمل مختلف الجوانب القانونية والإدارية والمالية والفنية، ليناقشها المجلس ويتخذ الإجراءات اللازمة.
واقع حال الهيئة يظهر هوة واسعة بين النص والتطبيق، فهي لا تملك أدوات ووسائل تخولها تقديم الدعم بشكل مباشر لتحفيز وتعزيز قدرة المشروعات على العمل، فقانونها لا يتضمّن أية آليات أو أسس يمكن بموجبها تقديم الدعم المالي المباشر أو الخدمات المالية، ما أفقد الهيئة دورها التمويلي الواجب الوجود، ومن حق المتابع التساؤل: أين مجلس الهيئة من دراسة التقارير الدورية الفصلية والسنوية التي يقدمها مدير الهيئة، والتي من المفترض أن تتضمّن معاناتها، وهل ستشهد الأشهر المقبلة تذليل الصعوبات والمعوقات التي تعترض واقع تنمية قطاع المشروعات، كما ورد على لسان قمة مجلسها، أم إن الوعود الشفهية أخف مسؤولية من النصوص الخطية.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية