أحد عشر إجراء ملحاً للنهوض بقاطرة النمو! أبرزها تحويل وزارة الصناعة إلى وزارة “سياسات صناعية” وإعادة النظر بمهامها وتركيبها بما ينسجم مع هذه التسمية!
في لقاء ساده الكثير والكبير من الأسف والتأسف، على ما كان عليه وآل إليه قطاعنا الصناعي العام بمؤسساته وشركاته، كان سؤالنا المحدد لضيفنا الذي فضل عدم ذكر اسمه: ما المطلوب لهذا القطاع المعطوب بفعل فاعل، كي يعود لعهده ويأخذ دوره الحقيقي والرائد في الاقتصاد الوطني، ويكون داعماً رئيساً في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية؟ وقبل هذا السؤال كنا استبقنا حديثنا مع ضيفنا، وهو من المخضرمين الذين عاصروا هذا القطاع في عزه وذله، بسؤال عما تغير وتبدل؟، وإن كان للأحسن أم للأسوأ؟ وسقنا “الصناعات التحويلية خاصة” بكل أفرعها (عام، خاص، مشترك، تعاوني)، والصناعة عامة، مثلاً للتقويم والتقييم.
ضيفنا لم يشأ الإجابة عن تساؤلنا الثاني بشكل صريح، لكن على ما يبدو فضل الإجابة “من كيس غيره”، وعبر النتائج التي توصلت إليها دراسة تحليلية سابقة، لوضع قطاع الصناعات التحويلية، كانت قد أعدت ما بين عامي 2000 و2003!
فكرة ورسالة وحتى رأي ضيفنا كلها وصلتنا دون أن يقولها صراحة، من خلال ما خلصت إليه تلك الدراسة، أي إنه -ومعه حق– لم يرد أن يقول وعلى لسانه ما كشفته تلك الدراسة، بأن لا شيء تغير أو تبدل نحو الأحسن، لا ما بعد العام ألفين ولا حتى ما بعد سنوات الأزمة الثماني؟!
بدل أن!
وإنعاشاً للذاكرة طلبنا من مُحدثنا استرجاع نتائج تلك الدراسة، لنبني على أساسها، المطلوب حالياً من “مُنجيات” للخروج من شرنقة التعطيل والتدمير لهذا القطاع!
لم يبخل الرجل وقال: الدراسة بينت وجود مجموعة محبطة من النتائج “المفزعة” عن دور وأداء هذا القطاع خلال الفترة التي ذكرنا، ومن أهمها “دزينة” من السلبيات، تبدأ بانخفاض القيمة المضافة المتحققة في القطاع الصناعي؛ وتدني نسبة مساهمة قطاع الصناعات التحويلية بالناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى عجز الميزان التجاري للصناعات التحويلية؛ وتوازياً مع ذلك وجود خلل هيكلي في بنية التجارة الخارجية للصناعات التحويلية، حيث تنحصر معظم الصادرات الصناعية بالمواد الأولية ونصف المصنعة، في حين تنحصر معظم المستوردات الصناعية بالمنتجات الجاهزة ونصف المصنعة، ما أدى ويؤدي إلى خسارة القيمة المضافة التي يمكن أن تتحقق من تحويل المواد الأولية ونصف المصنعة إلى منتجات نصف مصنعة ومنتجات نهائية.
ومروراً بالمعروف للمتابعين، كانت خلصت أيضاً إلى أن هناك عدداً غير قليل من الشركات العامة الصناعية التي لم تعد قادرة على الاستمرار، وضعف المستوى التعليمي للقوى العاملة، نحو 75% من العاملين من مستوى الإعدادية ومادون و6% فقط من خريجى الجامعات، وكذلك وجود بطالة مقنعة في الشركات (مريضة، معاقة، مفروزة لجهات أخرى) تزيد من كلفة المنتج.
معضلة مستدامة
وما فاقم أعلاها، تأكيد الدراسة وجود ضعف بالخبرات التسويقية وعلى كافة المستويات، وتدني المستوى التكنولوجي للصناعات القائمة، واعتماد معظمها على الصناعات الاستهلاكية الخفيفة وعلى موارد زراعية وتعدينية محلية وذات مكون تكنولوجي بسيط وضعيف، وليس أخيراً غلبة المنشآت الحرفية الصغيرة والشركات العائلية والصناعات البسيطة على نشاط القطاع الخاص الصناعي، وعدم الاهتمام بأشكال الملكية الأخرى مثل القطاع المشترك والتعاوني، وضعف مناخ الاستثمار بكافة مكوناته وقصور واضح في نشاط ترويج الاستثمار في سورية.
وهنا أي بالنسبة للاستثمار تذكرت ما قاله ممثل وزارة الصناعة في الاجتماع الأول الذي عقدته الإدارة الجديدة لهيئة الاستثمار السورية بحضور عديد من رجال الأعمال والمال والجهات العامة والخاصة، وكان حول التحفيز الاستثماري؛ قال: قبل الحديث عن التحفيز والخرائط والمشاريع الاستثمارية، ابحثوا لماذا يهرب المستثمرون؟!
مطلوب بإلحاح
يا ليتنا نكتفي بمقولة: “ما أشبه اليوم بالأمس”، قالها الخبير متأسفاً، إذ إن تداعيات وآثار الأزمة فاقمت من تلك النتائج، لتضاعف التحديات التي يواجهها القطاع الصناعي، ومع ذلك لا يزال الأمل بالعمل موجوداً، وإذا ما تم معالجة النتائج السلبية الحالية، فإن دوراً من نوع جديد أصبح مطلوباً وبإلحاح من وزارة الصناعة.
عن ماهية ذلك الدور سألنا، فكان التأكيد والاستباق بالتنبيه من أن دور وزارة الصناعة الجديد لا يمكن أن يؤدي مهامه بالشكل المطلوب، دون وجود تكامل وتنسيق وتوافق مع رؤية جديدة للحكومة، ومع أدوار الوزارات والجهات العامة الأخرى، وتجاوب والتزام مقابل وموازٍ من الصناعيين أنفسهم.
استنباط الفرص
أما عما على الوزارة من دور فأوضح ضيفنا محدداً، يجب عليها أن تقوم باستنباط فرص الاستثمار الصناعي وإعداد ملفاتها والترويج لها محلياً وخارجياً وفق قانون واحد للاستثمار الصناعي والذي هو قيد الصدور ويحتاج إلى اهتمام أكثر بالجانب الصناعي، مثلاً موضوع خطوط الإنتاج المجددة أو المستعملة..؟! وأردف، اليوم لا بد لكل منشأة صناعية أن تدخل تعديلات تقنية على خطوط الإنتاج لأهداف إنتاجية وغيرها، لأن القطاع يحتاج إلى معدات تكنولوجيا صناعية جديدة وقابلة للتطوير، وتحسباً من تكرار الأخطاء، نبه قائلاً: لا نريد آلات ومعدات وخطوط إنتاج رمتها دول أخرى. كما يجب على المعنيين في وزارة الصناعة إيلاء الاهتمام بوضع التعديلات الهادفة إلى النهوض بالصناعة في قانون الاستثمار الجديد.
لا بد منها
وبالانتقال من العموميات إلى التفاصيل، حدد مصدرنا 11 إجراء مطلوباً للنهوض بالقطاع الصناعي، وأولها إحداث مجلس للتنمية الصناعية برئاسة رئيس مجلس الوزراء، بصلاحيات واسعة، لتفعيل عمل المجلس وتنفيذ قراراته، على أن يضم المجلس الوزراء المعنيين بالشأن الصناعي، إضافة إلى عدد مناسب من الصناعيين والخبراء المستقلين، مهمته متابعة شؤون الصناعة دورياً، وكلما دعت الحاجة التي تتطلب قرارات تتعلق بالجهات الأخرى، وتكون قراراته إلزامية وفورية التطبيق.
إدارات خاصة
كما يجب تعديل قانون إحداث وزارة الصناعة وإعادة هيكلتها، بما ينسجم مع التغيرات والأهداف الجديدة ومع الدور الجديد المطلوب، أي بتحويلها إلى وزارة سياسات صناعية وإعادة النظر بمهامها وتركيبها بما ينسجم مع هذه التسمية (وزارة تنموية لكافة القطاعات) من خلال إحداث عدد من الإدارات الخاصة لتنمية الصناعات: (النسيجية، الغذائية، الكيميائية والبتروكيميائية، الهندسية)، وإدارات لتنمية الموارد البشرية، ولتنمية الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وإدارة للتعاون والشراكة. على أن تتولى تلك الإدارات معالجة القطاع الصناعي كوحدة متكاملة وتتابع مشاكله وقضاياه وتقدم له خدمات الدعم والاستشارة والتسويق والمعلومات الصناعية والتكنولوجية التي يحتاجها، ومتابعة تأهيل الصناعة السورية لمواجهة تحديات تحرير التبادل التجاري واتفاقيات الشراكة. والمطلوب أيضاً إحداث هيئات للنهوض بالصناعات (نسيجية، غذائية، هندسية، كيميائية) بمشاركة المنتجين الرئيسيين أو ممثليهم، بهدف تحقيق التكامل والتنسيق بين المنتجين ومعالجة المصاعب التي تعترضهم واستكمال الحلقات التكنولوجية المطلوبة لتعزيز القدرة التنافسية لهذه القطاعات.
تخصيص
وكذلك تشكيل لجنة وطنية لمعالجة أوضاع القطاع العام الصناعي؛ وتضمين قانون الشركات العامة والخاصة نصاً يوجب تخصيص نسبة مئوية من الأرباح في صندوق وطني مشترك لتغطية نفقات البحث والتطوير والتدريب وتطوير الجامعات؛ وأيضاً وضع قانون جديد مناسب لشركات ومؤسسات القطاع العام الصناعي؛ وأخيراً اعتماد أسس جديدة لشغل الوظائف في الوزارة وإداراتها ومؤسساتها تقوم على الاختبار والمنافسة، والموازنة بين الصلاحيات والمسؤوليات.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com