أيـــــن نحـــــن مــــن الدعـــــم الإنتاجــــي
لعقود مضت تشهد الموازنة العامة للدولة حصة عالية من الدعم الاستهلاكي، الذي لا يخدم الجوانب الإنتاجية، عدا عن الدعم الذي يتم من خلال ميزانيات وزارات التربية والصحة والكهرباء. ورغم ما يلقاه هذا الدعم من ارتياح المواطنين، إلا أن واقع الحال يؤكد أن كثير منه في غير محله، إذ يذهب لمن هم ليسوا من محتاجيه، وتحديداً شريحة المواطنين الأغنياء الذين يتنامى عددهم، أو ليسوا من مستحقيه، من مئات آلاف العرب والأجانب المقيمين في القطر، وعشرات آلاف المقيمين مؤقتاً أو عابري الحدود، وقد ترتب على هذا الدعم تجذير المزيد من النزعة الاستهلاكية، التي يرافقها الهدر الملحوظ في استهلاك الكثير من المواد والخدمات المدعومة – بما في ذلك شريحة الفقراء، وإن يكن من الصعوبة – أومن غير اللائق- منع من لا يستحقون الدعم أو ليسوا من محتاجيه، من تسوٌّق عشرات المواد والخدمات المدعومة التي يعج بها السوق الاستهلاكي والخدمي، فليس من الصعوبة أن تعتمد السلطات تشريعات وإجراءات ينجم عهنا توجيه الدعم لمستحقيه ومحتاجيه فقط، مع الرقابة الشديدة توجيها وعقابا، باتجاه منع حصول أي هدر في هذا الدعم بحيث تتم الاستفادة الفعلية من الخدمات التعليمية والصحية المدعومة، لا أن يهدر الكتاب المدرسي المجاني أو المدعوم ويستعاض عنه بكتاب رديف غالي الثمن، وأن تهدر القاعة الدرسية التي كلفت ملايين الليرات، وتهدرالحصة الدرسية المتوجبة على مدرس الصف الذي تم تأهيله مجانا ويتقاضى راتبه، ويتاح له تقاضي أجور مضاعفة عن نفس الحصة الدرسية في قاعة أخرى، ولا أن يداوم الطبيب وقتاً قليلاً في المشفى ويستدرج مرضاه إلى عيادته، والعمل لتوجيه الدعم الاستهلاكي بحيث تتم الاستفادة الفعلية والضرورية من الرغيف المدعوم، من خلال تصنيعه الجيد واستهلاكه البشري، واجتناب إلقاء بعضه مع نفايات المنازل، أو استخدامه –بما في ذلك بعض جيده – علفا للحيوانات، والحد من الاستهلاك التبذيري للماء والكهرباء والمحروقات المدعومة، أكان ذلك سكنياً أم منشآتياً.
مدعاة للسرور أن تكون ميزانية هذا العام تزيد بنسبة /22%/ عن ميزانية العام الماضي رغم الظروف الصعبة التي يعيشها القطر، والآيلة إلى الانفراج، ولكن التمعن في أرقامها يشير إلى انخفاض المبلغ المخصص لصالح الإنفاق الاستثماري الذي يشكل اقل من /30%/ من الميزانية العامة، رغم حاجتنا الماسة لمزيد من الاستثمار، وارتفاع نسبة المبلغ المخصص للإنفاق الجاري، رغم وجوب واستطاعة تقنيننا الفردي والأسري والمنشآتي – خاصة المنشآت الإدارية – الاستغناء عن كثير منه، واللافت للانتباه أن أكثر من نصفه مخصص للدعم الذي يكاد يخلو من الدعم الإنتاجي، على غرار ما سبقها من ميزانيات، رغم أن الدعم الإنتاجي هو الأولى، إذ أنه يؤسس للدعم الاستهلاكي، ويمهد باتجاه الحد منه تدريجياً، وأيضا من الجدير التساؤل هل يكفي صندوق الإنتاج الزراعي /10/ مليارات ضمن السياسة المعتمدة والواجبة التنفيذ، والتي تؤكد على زراعة كل شبر من أرضنا الزراعية، بل وجوب تصنيع فائض الاستهلاك الموسمي من الكثير من منتجاتنا الزراعية والحيوانية، أليس دعم إنتاج حبة القمح أهم من دعم استهلاك رغيفها، وهل مبلغ /50/ ملياراً يكفي لخطة إعادة الإعمار خلال العام القادم، الذي هو العام الأول عقب الانتصار اللائح في الأنظار؟؟
إن المبلغ المخصص للدعم الخدمي والاستهلاكي (1622 ملياراً) يزيد عن الدعم المخصص للاستثمار(1100 مليار) بما يقارب /500 مليار/ أما كان بالمستطاع تخصيص جزء من هذا الدعم، لصالح الدعم الإنتاجي، باتجاه دعم منشآت القطاع العام الإنتاجية والإنشائية المتعثرة، بدلاً من انتظار تخصيصها، وهل الكتلة المالية المخصصة (غير المعلنة قيمتها) لتحفيز القطاع الخاص الزراعي والصناعي والسياحي، تكفي لذلك، أما كان من المتوجب تخصيص مبالغ متميزة لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة عبر الهيئة المعنية، والتي تشكو من قدرتها على التمويل، وتتوق لزرع البسمة في وجوه عشرات آلاف الحزانى من طالبي العمل، الراغبين في إحداث مشاريع صغيرة ومتوسطة، ولم يستطيعوا، لعدم وجود تمويل يشجعهم، أليس بالإمكان تحفيز هذا القطاع عبر إقرار واعتماد دعمه من خلال منحه قروضاً بتسهيلات، وبلا فائدة لمدة خمس سنوات، كأن توضع مبالغ الدعم في حسابات المصارف الموكل لها أن تمنح قروضها لهذه المنشآت، على أن تقتطع هذه المصارف فوائد قروضها من رصيد وفوائد مبالغ الدعم المودعة لديها، ما يدفع باتجاه تحفيز خاص لهذه المنشآت، المجمع على دورها الكبير في عملية التنمية وخفض معدلات البطالة، فهل أرقام الميزانية قابلة لإعادة النظر.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية