سليمان السلمان الشاعر يتغزل وفق قدرته وإحساسه
في ديوانه الجديد “رؤاك ابتهال” الذي ينتمي إلى الغزليات، التي اشتُهر بها رغم قوة الشعر السياسي لديه وتوصيفه الهمّ الوطني والفلسطيني في دواوينه السابقة مثل جزر النار وجراح المسرات وأعلم أني أحترق وغيرها، وفي “رؤاك ابتهال” يظهر تأثره بشعراء الغزل القدامى، فأعادنا إلى جماليات الشعر العربي بعصوره القديمة.
“البعث” تحدثت إليه حول قصيدة “مغناج” التي جمعت بين أنواع الغزل، فاستهل مقدمتها بالغزل العفيف بوصف جسد الأنثى المتمايل فيقول:
غنج توشّحه الجسد/مالت به/حتى زهت جيداً وخد/ولوت بخطو جمالها/خصراً تأود واستند/فضممتها إذ لوحت بذراعها/وهوت على صدري/فأسكرني الغيد.
ويبدو تأثره بسمات الشعر الغزلي لدى الأقدمين باستخدام الصورة الشعرية ووصف الغيد والجيد وباستعاضة مفردة الخمر وتوظيفها للمعاني بأسكرني، إلى أن يصل إلى نهاية القصيدة بملامسته الغزل الصريح والوصف الحسّي للحدث، فتبادرت إلى ذهني مقاربة الصورة الشعرية بطريقة ما لدى شاعر الغزل عمر بن أبي ربيعة ويبدو تأثره الواضح بقصيدته من رسولي إلى الثريا.
غصبتني مجاجة المسك نفسي/فسلوها ماذا أحلّ اغتصابي
حينما ينهي سليمان قصيدته مغناج بقوله :
فلثمتُ ثغراً.. غلّ في ثغري/استراح يذوب في شفتي/ فسألته ألا ترى أنك تبالغ بالوصف الحسّي وبالغزل الصريح؟.
وسألته ألا ترى أنك تبالغ بالوصف الحسّي وبالغزل الصريح؟ فقال: شعري الغزلي يتعلق بالإنسان والمرأة، ونحن نرى بالمرأة كل شيء فهي شجرة الحياة الأساسية، والكون بدأ بامرأة لأنها العطاء بكل معانيه، فديواني بغزلياته بمحتواه الإنساني المعبّر عن شعوري بكل ما يتعلق بالحبيبة التي كُتبت لها آلاف القصائد، لكن كل شاعر يختلف عن الآخر وفق قدرته على التعبير ووفق إحساسه وتخيّلاته ووفق عشقه للغزل، فتتفاوت القصائد والصور من شاعر إلى آخر.
والشاعر السلمان يكتب الشعر العمودي والتفعيلة وقصيدة النثر، وفي “رؤاك ابتهال” غلب شكل التفعيلة على أغلب القصائد، أما لماذا ارتأى مع الغزل شكل التفعيلة يقول؟
النثر الفني يكثر عن بعض الذين يكتبون فيه، وأنا أرى أن شعر التفعيلة هو رأس الشعر الذي يبقى ويدوم في عصرنا الحالي لما فيه من إبداع وتقطيع يجعل من شراكة الموسيقا في التعبير قيمة ترفع من مستوى المفردات، بينما النثر سرد يمكن أن يكون فيه بعض جماليات الشعر إلا أنه لا يرتقي إلى مستوى التفعيلة، وجاءت هذه القصائد متسلسلة الشعور والإحساس، مكتوبة من تاريخ إلى تاريخ ومدونة وفق التواريخ ووفق تتابع أفكاري وهواجسي ومدونة بدفاتري ويومياتي طيلة سنتين إلى أن صدر الديوان، فكل قصيدة أكتبها هي ابنة لي، كلها قريبة إلى ذاتي وتستحوذ على مكانة واحدة في قلبي.
وبالعودة إلى عنوان الديوان الذي يلخص مضمونه” رؤاك ابتهال” قال الشاعر السلمان: عنوان لم تحمله أية قصيدة في الديوان وإنما عبّر عنها جميعاً، عن عطاءات الإنسان المحبّ، وأنا أرى في العنوان الرقي الروحي المتسامي في العشق والغزل.
كما يتصف الشاعر السلمان بالإلقاء الجميل المعبّر عن درامية القصيدة، ويرى أن التواصل بين الشاعر ومحبيه بالأمسيات يقرب المسافة بين المتلقي والشاعر والشعر بحدّ ذاته.
صدر ديوان رؤاك ابتهال عن مؤسسة سوريانا، وتميزت لوحة الغلاف بتجسيد جمال الأنثى الحالمة الهائمة في عوالمها الخفية وبجانبها عين المحبّ إيماءة إلى الغزل بدرجاته.
ملده شويكاني