درس«الأصول» و «الخصوم»..!؟
بإمكان أصول القطاع العام أن تعمل كاحتياطي وقائي، ما يجعل الحكومة -أية حكومة- ذات المستويات العالية من الثروة العامة، مؤهلة لتجاوز فترات الأزمات أو الركود، على نحو أفضل من الحكومات ذات المستويات المنخفضة من الثروة العامة. كما أن الميزانيات العمومية القوية (أي بيان بما يمتلكه المرء وما يدين به عند نقطة زمنية محددة) تسمح للحكومات بإعطاء دفعة لنفقاتها في فترات الهبوط الاقتصادي. هذا في العموم.
ما سبق جاء من “وحي” تقرير دولي للرصد المالي صدر حديثاً، كشف أن قليلاً من الحكومات هي التي تدرك حجم ممتلكاتها أو كيفية استخدام هذه الأصول لتحقيق رفاهية المواطنين.
وعليه فمن المهم أن تدرك الحكومات حجم ممتلكاتها، وكيفية توجيه قدراتها نحو تحسين استخدام أصولها؛ لأنها ستتمكن عندئذٍ من زيادة إيراداتها بنحو 3% من إجمالي الناتج المحلي سنوياً وتخفيض المخاطر دفعة واحدة.
وللعلم فإن هذه الزيادة تمثل مقدار ما تحققه الحكومات في الاقتصاديات المتقدمة من إيرادات ضريبة دخل الشركات، وسيكون بوسع الحكومات توجيه هذه الأموال إلى تطوير المدارس أو المستشفيات أو غير ذلك من النفقات ذات الأولوية.
ولغاية في تقصد تناولنا لهذا الموضوع، من المهم والضروري إدراك ما تعني ممتلكات الحكومات (أي الأصول) وديونها (أي الخصوم). كي نزيل الكثير من “الغيوم” التي تحجب حقائق الأمور بفعل فاعل..!
تتألف هذه الأصول من البنية التحتية العامة كالطرق والجسور وأنابيب الصرف الصحي، إلى جانب أموال الحكومة المودعة في البنوك واستثماراتها المالية والمدفوعات المستحقة لها من الأفراد ومنشآت الأعمال.
كما تشكل الموارد الطبيعية في باطن الأرض جزءاً من الأصول، وهو أمر مهم بصفة خاصة للبلدان الغنية بالموارد الطبيعية؛ لكن الأصول تشمل أيضاً المؤسسات المملوكة للدولة كالبنوك الحكومية، وفي كثير من البلدان، المرافق العامة مثل شركات الكهرباء والمياه العامة..إلخ.
وبالعودة “للرصد المالي”، الذي تناول تحليل الثروة العامة باستخدام بيانات من 31 بلداً، فقد تبين أن مجموع الخصوم أكبر بكثير من مجرد الديون، ففي الوقت الذي تبلغ فيه الخصوم نحو 198% من إجمالي الناتج المحلي، فإن أقل من نصفها هو الدين العام للحكومة العامة، وتشكل التزامات معاشات التقاعد لموظفي الخدمة العامة جانباً كبيراً من الجزء المتبقي، غير أن عدداً قليلاً من البلدان يسجلها ضمن هذه الفئة.
وتمثل ديون الشركات العامة جانباًَ آخر من مجموع الخصوم. ومعظم المقاييس المعيارية لدين الحكومة العامة لا تتضمن هذا البند، أي أنه يتم تصنيف مبالغ هائلة من الدين العام كدين خاص.
مما سبق بإمكان كل الحكومات – وطبعاً حكومتنا في طليعتها- تحسين إدارة مواردها؛ وينبغي عليها الاستفادة من هذا الدرس، بأن تبدأ بتجميع البيانات المتاحة حتى تتمكن من وضع تقدير مبدئي لحجم الأصول والخصوم والثروة في القطاع العام، وبمرور الوقت، يمكن زيادة دقة هذه التقديرات من خلال تحسين مجموعات الحسابات والإحصاءات، وبإمكان الحكومات – ولا ننسى حكومتنا – استخدام هذه المجموعات في إعداد تحليلات أساسية لمخاطر وسياسات الميزانيات العمومية، باستخدام الإطار المتاح وما أغناها لدينا.
وحين استكمال هذه العملية سيكون بإمكان الحكومات – وحكومتنا طبعاً- إطلاع مواطنيها على الصورة الكاملة لممتلكاتها وديونها، واستخدام الثروة العامة بصورة أفضل لتحقيق أهداف مجتمعاتها الاقتصادية والاجتماعية.
في هذا السياق، كم كنا نأمل عندما أقدمت حكومتنا ووزاراتها على إجراء مسح واسع لمنشآتها العامة المؤجرة، أي لأصولها، أن تكون سائرة باتجاه تحقيق إحصائيات دقيقة شفافة، على مستوى البنى التحتية التي تملكها الدولة، كي تبين “خصومها” لتستطع ترجمة ما سقناه في هذا المقال، بهدف الوصول إلى المقام الأنجع وهو استثمار ثروتنا العامة، لكنها للأسف لم تفعل، لأن نظرتها كانت ضيقة ومحصورة، بإعادة الاعتبار والحساب لبدل استثمار بضع من أصولها، لا كلها…!؟
أخيراً وليس آخراً نبين: أن “الأصول” هي الأشياء التي تضع المال في جيبك، أما “الخصوم” فهي الأشياء التي تخرج المال من جيبك؛ وفقاً لكتاب “الأب الغني.. الأب الفقير”، الذي سنسمح لأنفسنا بتغيير الشق الثاني من العنوان ليصبح “الأب الغني.. الابن الفقير” وفقاً للخصوصية السورية.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com