بعد نجاحها الملحوظ وقدرتها على اختراق الأسواق الخارجية.. الزراعات الاستوائية محط رهان لجهة جذب رؤوس الأموال للاستثمار الزراعي
إن دخول الزراعات الاستوائية على خط الإنتاج الزراعي في سورية يدلّ على ما تتميّز به سورية من بيئات زراعية ملائمة لمختلف أنواع الزراعات من جهة، وربما يعطي حافزاً للاستثمار في القطاع الزراعي من جهة ثانية، ولاسيما إذا ما علمنا أن منتجات هذه الزراعات التي يمكن عدّها حديثة العهد في سورية اخترقت أسواق دول الخليج ومصر والعراق.
ولعلّ اللافت حقيقة أن اعتماد هذه الزراعات في بلدنا يأتي في ظل ما يعانيه القطاع الزراعي من ضعف الموارد المالية، وتخوف المستثمرين من التوجّه للقطاع الزراعي بسبب عامل المخاطرة وطول فترة الاسترداد، وضعف الحلقات التسويقية المختلفة وعدم دخول القطاع الخاص في إقامة مؤسسات وشركات تسويقية رائدة، وعدم وجود إستراتيجية للاستفادة من الميزة التنافسية لبعض المنتجات الزراعية.
مؤشر
وتشير الأرقام التي تعكس إنتاجية هذا النوع من الزراعات إلى مستوى نجاح هذه التجربة وإمكانية تكريسها والتوسع بها، وخاصة إذا ما علمنا أنها ذات جدوى اقتصادية عالية إذا ما تمّ تسويقها خارجياً. وفي هذا السياق يبيّن رئيس القطاع الزراعي في اتحاد المصدّرين السوري إياد محمد أن عشرات الأصناف تمّت زراعتها في المنطقة الممتدة من شمال طرطوس إلى بداية جبلة أبرزها “المنغا– الأفوكادو– الكيوي– دراقول– القشطة… إلخ”.
وأضاف محمد في تصريح خاص لـ”البعث” أنه ورغم حاجة هذه الزراعات إلى بيوت محمية، إلا أن المزارعين يطوّرون بعض الأصناف لزراعتها خارج هذه البيوت كالكيوي وبعض أصناف القشطة، مشيراً إلى أنه تمّ إنتاج 2000 طن من الكيوي، و1000 من الأفوكادو ونحو 400 طن من المنغا، وأنه تمّ توقيع عقود لتصدير هذه المنتجات إلى دول مثل الكويت ومصر والعراق خلال معرض دمشق الدولي.
أنموذج للدراسة
وإذا ما اعتبرنا أن هذا النوع من الزراعات أنموذج يستحق أن يكون محطّ البحث العلمي الزراعي ليصار إلى تطويره وتنظيمه بشكل أكبر، نجد أن ثمة صعوبات تعترض تنفيذ الإجراءات والسياسات الخاصة بالبحوث الزراعية في سورية، إذ أشار أحد التقارير الرسمية إلى بعض هذه الصعوبات المتمثّلة بضعف الموازنات المالية المخصّصة للبحث العلمي، وعدم وجود مرونة كافية من النواحي الإدارية والمالية لتلبية متطلبات إجراء البحوث، وعدم كفاية الكادر العلمي المتخصّص، الأمر الذي أدى إلى عدم تنفيذ بعض البحوث التي تحتاجها الزراعة، إضافة إلى تشتّت البحوث الزراعية وتنفيذها من قبل جهات مختلفة وعدم التنسيق الكافي بينها، إلى جانب الغياب التام لأي دور يقوم به القطاع الخاص في دعم ومساندة البحوث الزراعية في سورية.
تنوع
ما سبق يقودنا للحديث عن واقع القطاع الزراعي ومساعي الحكومة لتحسين كفاءة استخدام الموارد الزراعية من خلال تقديم الخدمات المساعدة (البحوث العلمية الزراعية، استصلاح الأراضي، مشاريع التنمية الريفية، الإرشاد، التعليم، التأهيل والتدريب، توفير الغراس المثمرة والحراجية) والاستثمارات الحكومية، وتحسين ظروف الإنتاج والاستثمار الزراعي بشقيه النباتي والحيواني بما يتناسب مع أهداف التنمية المستدامة على المستوى الوطني، وتحقيق القدر الكافي من الغذاء الذي يلبي متطلبات الأمن الغذائي والصناعات الوطنية، وتشغيل اليد العاملة، وتحقيق فائضٍ للتصدي، ولاسيما إذا ما تمّ الاشتغال على ما يتمتّع به القطاع الزراعي من تنوع البيئات الزراعية الملائمة لطيف واسع من المحاصيل، بالتوازي مع وجود الكوادر الفنية المدرّبة المتخصّصة.
حقبة جديدة
ما يعني بالنتيجة أننا أمام حقبة زراعية تستدعي بالضرورة تشجيع البحوث في مجال البيئة الزراعية والصناعات الزراعية الغذائية، وزيادة الإنتاجية الرأسية لكافة المحاصيل الزراعية باستخدام حزمة متكاملة من المدخلات، وتطوير منظومة عمل الإرشاد الزراعي وتعزيز التنسيق مع البحوث والتعليم، وتأهيل المرشدين لتمكينهم من تنفيذ البرامج الإرشادية المتخصّصة ونقلها إلى المنتجين، مع التركيز على الخدمات المساندة للإنتاج والقيام بالبحوث الزراعية اللازمة لإنتاج الأصول النباتية والعروق الحيوانية الجيدة والبدائل المطلوبة وتوزيعها على الفلاحين.
إشكالية
وتبقى الإشكالية الكبرى التي تحول دون التوظيف الاستثماري في هذا القطاع أسوة بباقي القطاعات الأخرى، نتيجة إحجام المستثمرين عن التوجّه الكبير نحو القطاع الزراعي المرهون في أغلب الأحيان بالظروف المناخية والبيئية من جهة، وطيلة استرداد رأس المال من جهة أخرى، ما يجعل مهمة الحكومة بتوجيه رأس المال نحو هذا القطاع صعبة جداً ما لم تقدم المزيد من المغريات، علماً أن الزراعة في سورية مدعومة، ورغم أن بعض مصادر الوزارة تعتبر أن الاستثمار في القطاع الزراعي صعب جداً، خاصة في الإنتاج النباتي لأنه استثمار فردي بالدرجة الأولى، بينما أكثر سهولة ويسراً في الإنتاج الحيواني (المواشي والدواجن) كونه لا يحتاج مساحات واسعة من الأراضي، إلا أن الحلّ الأمثل لتوجيه رأس المال نحو هذا القطاع –وفقاً لبعض الخبراء- يكمن في أن يقوم المستثمر بالعمل في المجال الزراعي بشكل متكامل، بمعنى أن يزرع ويصنع في الوقت نفسه، لأن إدخال الشق الصناعي في القطاع الزراعي يقلّل من فترة دوران رأس المال، وعلى اعتبار أن الآلات والتجهيزات معفاة من الجمارك سيكون دخله أكبر وتزيد نسبة الحاجة لليد العاملة.
وبالعودة إلى ما بدأنا به الحديث يمكن القول: إن الزراعات الاستوائية قد تشكّل عامل جذب لأصحاب رؤوس الأموال للاستثمار بشكل مؤسساتي ومنظم في القطاع الزراعي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن أهم عامل لاكتمال نجاح الزراعة في سورية هو التسويق، الذي لا زال تقليدياً وبدائياً بامتياز، فهو يشكّل ما نسبته 80% من النشاط الزراعي في أية دولة من دول العالم، فما بالكم في بلادنا حيث إنه لدينا وفرة بالإنتاج وفي الوقت نفسه لدينا أزمة تسويق، فنحن لا زلنا ننتج للاستهلاك المحلي وليس للتصدير والاستهلاك الخارجي، بمعنى أن المنتِج المحلي لدينا لا يراعي أذواق المستهلكين في الخارج، فإنتاج زيت الزيتون لدينا -على سبيل المثال– يحتوي على نسبة عالية من الأسيد، ويعبّأ بعبوات تقليدية لا تتناسب مع متطلبات الاستهلاك الخارجي.
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com