ثقافةصحيفة البعث

قمر كيلاني المتمردة الذهبية

القمر عادة يبقى منفرداً في أفق السماء إلا في ندوة مكتبة الأسد “سوريات صنعن المجد” كان للقمر حضور مميز ومشع رغم الغياب، حيث أدار د. حسين جمعة ندوة حملت عنوان “قمر كيلاني.. الريادة والالتزام” بالتأكيد على أن الشيء المهم في أدب قمر كيلاني أنها من خلال التنقل بين الشخصيات لم تفتها الحبكة الدرامية للقصة أو الرواية لذلك كانت تعالج جملة من القضايا بأسلوب حداثي يعتمد الواقع لكنه لا يكتفي بنقله فوتوغرافياً وإنما ينتقده ويبني التصور لمستقبل آخر.

قضايا وطنية وإنسانية

وعنون الشاعر بديع صقور محاضرته بـ “قمر كيلاني نسائم حب.. أقانيم وطن” وقدم بعض الأقوال المأثورة مع نصوص وعبارات من رواياتها منها:

“الوطن ليس مفتاح بيت.. وعنوان بريد وشباك هوية والوطن لا يسجّل بقرار ولا يُمحى بقرار، يوم انتفض الثوار.. يوم انكسرت المرآة قالوا: مات الأخضر العربي، فتزينت الأزهار وخرجت تجوب الحقول لتحط عليها فراشات أرواحهم.. يومها على تخوم الحرب صار الوطن حديقة نارنج. يومها فتحت شبابيك البحر ولوحت للنوارس، غذّت الوطن روح والوطن أغنية الوطن حياة والوطن هوية خلود.. ثمّ كبقية الأمهات تزينت بالزغاريد والقصائد، وبقي الثلج يندف كريش البجع”.

وعن دمشق قال: “ظلت دمشق مصباحاً على مر الزمن..  يتحدث عنها الزمن ولا ينساها من اقتبس منها أو عرفها أو عرف عنها، إلا وغفا تحت رموشها وكتب عنها تغريبة طويلة”.

و”دير القمر، نقطة ضائعة على تخوم ضائعة”، ما أكثر القوى التي ضاعت بين ركام الحروب… ما أكثر الذين في ليالي القمر تنهض أرواحهم لتحكي للصغار عن أهل القرية الذين ماتوا يوم المذبحة مثل دخان ومثل غيوم شردت أرواحهم بين سطور كتابك “عالم بلا حدود” هكذا إلى اليوم ربما ما تزال “دير القمر” تنام كزهرة برتقال على شرفة الشمس.

آفاق الحداثة

التعليمية والأخلاقية من مواصفات الرواية التقليدية، وروايات قمر تتجاوز بمسافات طويلة الروايات التقليدية شكلاً ومحتوى ورؤية، إنها سرد حديث بعيد عن الوعظ والتعليمية، تقدم أفكاراً وتواجه الشكل السائد الذي سبقها، وتواجه تفكير ذلك الزمن من خلال طريقة الكتابة الروائية ومن خلال ما تطرحه شخصياتها من آراء ومواقف، وتحت عنوان “آفاق الحداثة في روايات قمر كيلاني” قال الأديب ناظم مهنا:

يمكن وصف روايات قمر كيلاني بأنها روايات السرد الحديث التي تتمدد لتلامس الرواية الجديدة من أطرافها، وحداثة الأديبة تتجلى في الحفاظ على الوحدة والتماسك والتوازن بين العناصر والتعبير عن تعدد الأصوات وهو تعبير مكثف عن الواقع، وتقترب من الرواية الجديدة في جعل خيوط الحبكة منبسطة غير ممركزة.

يمكن إطلاق صفة “السرد المهجن” على بعض روايات قمر، حيث تدخل في تكوينه بصورة أساسية المفارقات المتعددة وعناصر وأساليب من الفنون السردية القديمة مثل المقامة والسيرة والملحمة والرواية التاريخية التقليدية وبعض من إنجازات الرواية الحديثة. والسرد عند قمر كيلاني هو سرد شفاف حيث تختفي الراوية وراء الأحداث وتتوارى إلى أقصى حد ممكن لصالح الحكاية دون أن يشعر المتلقي بوجود الراوي كوسيط سردي بينه وبين الأحداث المتخيلة مثل رواية “حب وحرب” فالرواية تسرد من الخارج، وتجعل الأحداث تعرض نفسها والشخصيات تتحرك لخدمة الحدث القصصي المتنامي.

في أكثر من موضع وأكثر من رواية نجد فكرة ربما انفردت بها الأديبة قمر كيلاني وهي فكرة التهجين أو التطعيم، تطعيم مجتمع المدينة المحافظ بالروح الجديدة المغامرة من أبناء الريف الأقوياء المؤمنين بالتغيير والعاملين على تحقيقه مهما كانت التضحيات.

 

الدمشقية

وفي كل مرة يُطلب منها التحدث عن قمر تتهيب، فما الذي ستقوله عن أمها وهي معلمتها الأولى في درب الحياة، ودرب الأدب، وفي “صورة عن قرب” قدمت لينا كيلاني الجانب الإنساني من أديبتنا:

هي لم تكن أمي وحبيبتي فقط بل هي صديقتي، رعتني كما ترعى الزهرة بحب وعناية، بل بكثير من الحب والاهتمام لكن بالمقابل لم تقحم حضورها في حياتي وإنما حرصت على أن تكون لي اختياراتي في الحياة، وأنا المسؤولة عنها حتى لو أخطأت.

هي الدمشقية التي تسكنها دمشق، وترافقها أينما ذهبت وهي لا تستطيع أن تتحرر من عشقها الأبدي لها، وفي واحدة من قصصها “وجع من ذاكرة الجولان” قالت “يسألوننا لم تنامون على العشق.. عشق دمشق؟ ليست جريمة أن ننام على عشق الأوطان”. والأمومة في نظرها ليست إنجاب الأبناء فقط، كما ليست شعاراً بل هي ممارسة يومية تقطر بالتعاطف والحنان والمحبة فإذا بها ترعى أجيالاً من الكتاب وهي تقول “إن الساحة لا تضيق بفرسانها وكل ساحة تستوعب رجال فكر وأدب وصحافة”.

بدأت قمر كيلاني مسيرتها مع الأدب في المرحلة الجامعية كتبت في مجلة الجامعة التي كانت تصدر عن قسم اللغة العربية بعنوان “صدى الندوة” ولكن باسم مستعار “رائدة النبع” إلا أن زملاءها سرعان ما عرفوا أنها “قمر” أو “المتمردة الذهبية” كما كانوا يسمونها. كتبت في المقال والقصة القصيرة وهي أحب الأجناس الأدبية إلى قلبها، وكتبت الرواية والبحث والدراسة وأدب الرحلات ومقالاتها الأسبوعية في الصحف لم تتوقف. أما هاجس الوطن والهم القومي فكانا ينبضان بحرارة في كل مؤلفات أمي، وقد تأثرت بحرب حزيران وتشرين ولكن تراها هل كانت تستشرف هذه السنوات العجاف التي مرت بنا عندما قالت لي: “يازهرة النقاء كما أتوق ألا أراكِ مذعورة كطائر محاصر وراء المتاريس، وألا تشعري بما شعرت، أملي أن تحلقي دائماً في سماء بلون الفرح وألا تدخل النار إلى ثيابك الملونة وإلى سريرك أو غرفتك، كما أخاف عليك أن تشهدي الدمار، دمارنا من الداخل ودمار بيوتنا والمدن التي بها نعيش، لا أدري أمنياتي هذه ولا أخجل منها يازهرة الحزن البيضاء افعلي ما أقوله لك: إذا أضعت كل شيء فلا تضيعي مفتاح بيتك، وإذا نسيت كل شيء فلا تنسي اسمك وعنوانك ولغتك فنحن في عصر فقدان الذاكرة”.

جمان بركات