لسوء التغذية وغياب الأعلاف الخضراء أبقار “الفريزيان”.. نفوق وخلل وراثي يثير مخاوف المربين ومحاولات لرفع نسب الإنتاج
نفوق عدد من الأبقار التي تم استيرادها عبر المصرف الزراعي، وإجهاض عدد منها، أثار مخاوف المربين في محافظة السويداء، وبدأت التساؤلات تثار حول مدى نجاح هذه التجربة، وانعكاسها إيجابياً لجهة تحسين الواقع الاقتصادي للمربين أنفسهم، أو تطوير الثروة الحيوانية في المحافظة بشكل عام.
أقنية مسدودة
تتميز سلالة أبقار الهولشتاين بحجمها الكبير، ولونها الأبيض، مع تواجد بقع سوداء، وإنتاجيتها الكبيرة التي تصل إلى حدود 12 ألف لتر سنوياً للبقرة الواحدة، في حين تتراوح نسبة الإنتاج وسطياً في الدول الأوروبية بين 6000 إلى 9000 لتر للبقرة في العام الواحد، هذه الصفات التي تحملها الأبقار، حسب ما نقلته الدراسات والأبحاث، جعلت المربي حاتم الزيلع تستهويه فكرة الاقتناء تلك، خاصة أنه سيتم بيعها تقسيطاً للمزارعين، فتأمين ربع ثمن البقرة، وإن كان أمراً ليس بالسهل عليه، متاح مقابل الأرباح التي يمكن تحقيقها من البقرة الأوروبية، والتي تحدث الإعلام، وتصريحات المسؤولين عن جودتها، فبعمليات حساب بسيطة وجد الزيلع نفسه في مصاف المربين الكبار، أما تسديد القسط السنوي فهو أمر يسير مقابل الإنتاجية العالية التي تحققها الماركات الهولندية ذاتها، ولكن بين ليلة وضحاها استيقظ الزيلع ليجد نفسه مديناً للمصرف الزراعي بأقساط سنوية تصل لمئتي ألف ليرة سورية، ولمدة خمس سنوات، وأحلامه ذهبت هباء، استيقظ ذات صباح ليجد بقرة الفريزيان، عالية الإدرار، جثة، وقد نفقت، والسبب ارتباك معوي، والأسوأ أنه، إضافة إلى خسارته هذه، مدين للمصرف الزراعي بأقساط تصل لنحو مليون ليرة سورية عليه دفعها في الوقت المحدد وإلا فإن سيف الحجز سيسلّط على رقبته كما يقول.
حال الزيلع هذا ينطبق على مجموعة من المزارعين تعرّضوا لنفوق رأس من الأبقار لديهم، وحساب الحقل لم ينطبق على حساب البيدر، كما تقول أبجدياتهم الفلاحية، وعشرات الكيلوغرامات اليومية من الحليب اقتصرت على بضعة كيلوغرامات، والجودة والمقاومة التي تتميز بها أجساد الأبقار تلك اصطدمت مع أول حالة عسر هضم أو ارتباك معوي أدى لنفوقها!.
المربي سند، وهو صاحب مزرعة أبقار، قام باقتناء رأسين من الأبقار المستوردة، وكان هدفه تحسين قطيعه بسلالة جديدة، ورفع إنتاجية مزرعته، إلا أن النتائج التي حصدها حتى الآن هي: نفوق رأس، وإنتاجية محدودة للرأس الآخر، وحالة عدم استقرار صحي ترافقه، يقول: هناك مجموعة من العوامل والمشاكل اعترضت عملية تربية هذا النوع من الأبقار، أهمها العلف، فهي معتادة على العلف الأخضر، وهو غير متوفر في منطقتنا، واستعضنا عنه بالكبسولات، وهذا انعكس على إنتاجية البقرة التي انخفضت إلى النصف، حسب إنتاجيتها في بلدها الأساسي، وكذلك تسبب بعدم استقرار صحي لها، والمشكلة الأخرى وجود انسداد في أقنية الحليب، وهذه ظاهرة لمسناها عند عدد من المربين، وكذلك حاجة رأس البقر لأكثر من عملية تلقيح حتى يتم الحمل، ومع ذلك يقول سند: إن القطيع الجديد يحتاج إلى فترة للتأقلم مع الواقع الجديد، وقد تكون إنتاجيته في البطن الثاني أفضل.
تشخيص طبي
منذ وصول القطيع إلى المحافظة والجهات المعنية، سواء مديرية الزراعة، أو نقابة الأطباء البيطريين، مستنفرة للمتابعة اليومية لواقع القطيع، ومن خلال متابعته للواقع يجد نقيب الأطباء البيطريين الدكتور وائل بكري أن حالات النفوق التي حصلت ناجمة عن اضطرابات هضمية، وانزياح أنفحة، وانسداد أمعاء، يضاف إليها ظهور خلل وراثي بتركيب الضرع، وضموره في عدد من الأبقار، هذه هي الحالات التي تم تشخيصها، وذلك بسبب سوء التغذية، فهذه الأبقار تعتمد على الأعلاف الخضراء، ومنطقتنا تفتقر لها، لذلك يعتمد المربون على الأعلاف المركزة، وهذا انعكس سلباً على بعض الأبقار، وأدى لنفوق عدد من الأبقار، والحل يكمن بزيادة نسبة النخالة في الخلطة لضمان ليونة في الأمعاء، وأضاف بكري أن التجربة بالإجمال ناجحة، وتؤسس لقطيع نوعي في المحافظة، وأشار بكري إلى أنه جرت مراسلة المؤسسة العامة للمباقر للتعويض على المربين الذين تعرّضوا لحالات نفوق، إلا أنه لم تتم الموافقة على التعويض، علماً أنه حتى هذا التاريخ لم يجر العمل على تأمين تلك الأبقار، ولاسيما من المصرف الزراعي، وغرفة الزراعة، وأكد بكري أنه رغم تلك الإشكاليات التي صادفت المربين، مستوردي تلك البكاكير، إلا أن الإشكالية الأكبر التي يجب العمل على حلها هي صعوبة تصريف الإنتاج، مطالباً بضرورة إقامة معمل أو معملين من القطاع العام لتصنيع الألبان والأجبان نظراً لوجود فائض وكساد في الحليب، خاصة أن عدد الأبقار المستوردة تجاوز 380، فضلاً عن وجود مئات الرؤوس الأخرى لدى مربي المحافظة، لافتاً إلى أن استيراد تلك البكاكير شكّل من ناحية أخرى دعماً إيجابياً لباقي المربين ممن لم تتعرّض أبقارهم لأية إشكالية، خاصة مع وصول إنتاج كل بقرة في بداية إنتاجها إلى 25 كيلوغراماً من الحليب يومياً،
وبيّن بكري أنه تتم مراقبة الأعلاف الواردة من القطاع الخاص، وسحب عينات بشكل دوري لمعرفة مدى مطابقتها للمواصفات، وهناك حالة تعاون بين المربين والأطباء للتعامل معها كونها تحتاج إلى معاملة خاصة.
إنتاجية مقبولة
طبعاً باستثناء بعض المنغصات فإن التجربة لاقت ارتياحاً لدى المزارعين والمربين بالسويداء بعد استفادتهم من قرض المصرف الزراعي التعاوني، ما أسهم في إدخال قطعان جديدة في العملية الإنتاجية، وتحسين واقع الإنتاج الحيواني.
غسان الحلبي، مزارع من قرية الثعلة، حصل على قرض أسس بموجبه مزرعة صغيرة تضم 4 رؤوس مستوردة، يقول: لم أكن أتوقع هذه الإنتاجية العالية، والمزرعة اليوم تعيل ثلاث أسر، في حين أوضح المربي بسام بكري، من قرية عتيل، والذي اشترى رأسين بموجب قروض، أن الإنتاج اليومي من الحليب يبلغ 30 كيلوغراماً للرأس الواحد، مع قابلية الزيادة بالفترة القادمة مع الولادات الجديدة.
المربي خالد أبو الفضل، يملك مزرعة على طريق السويداء الثعلة، يشير إلى ضرورة توزيع دفتر إرشادات للمربين المستفيدين من القرض كي يحسنوا التعامل مع هذه الأبقار المستوردة فيما يتعلق بتغذيتها، حيث واجه بداية صعوبة مع إدخال رأس الأبقار المستورد لمزرعته مع القطيع الموجود فيها من الأنواع المحلية.
النفوق عادي
بلغت حصة المحافظة من رؤوس الأبقار المستوردة لغاية تاريخه 389 رأساً شملت مختلف مناطق المحافظة، وذلك بحسب مدير المصرف الزراعي التعاوني بالسويداء المهندس نسيم حديفة الذي بيّن أنه تم دعم عمليات إقراضها من الحكومة بمبلغ 500 ألف ليرة، ليصبح سعر الرأس الواحد 990,500 ألف ليرة، بحيث يدفع المقترضون 25 بالمئة من قيمتها نقداً، ويعملون على تسديد باقي المبلغ بأقساط بموجب القرض الممنوح لمدة خمس سنوات.
المهندس حديفة يؤكد أهمية هذه الخطوة لزيادة عدد القطيع وإنتاجية المحافظة من مشتقات الألبان والأجبان، وخلق فرص عمل جديدة، وتحسين دخول المربين، لافتاً إلى مواصلة المصرف عمليات الاكتتاب لاستيراد أبقار إضافية شريطة عدم تجاوز العدد رأسين للحظائر أو المزارع غير المرخصة، و5 رؤوس للمرخصة منها.
حديفة أوضح أن حالات النفوق في القطيع كانت محدودة ولم تتجاوز 16 رأساً، ولا توجد أية حالة من حالات النفوق سببها سوء الاستيراد، أو الحجر الصحي، بل كانت حالات نفوق عادية، مؤكداً أن تمركز عمليات الإقراض في قرى محددة دليل تشجيع المزارعين لبعضهم على عمليات الاقتناء، وكذلك فإن الطبيعة الجبلية المشابهة لطبيعة البلد المصدر تشكّل عاملاً مشجعاً لعمليات الاقتناء.
مدير الزراعة المهندس أيهم حامد بيّن أن اهتمام أبناء المحافظة بهذه الثروة، وحالة الاستقرار التي تشهدها المنطقة، إضافة إلى الاهتمام الكبير الذي توليه الحكومة لهذه الثروة من جهة اللقاحات الوقائية التي يتم تأمينها بشكل مستمر، ساهم بتطوير الثروة الحيوانية، خاصة مع إدخال سلالات جديدة ومحسنة، وبيّن حامد أن إدخال الأبقار المستوردة ساهم في تطوير القطيع، وتحسين السلالة فيه، وأن المشاكل التي ظهرت تعود لعدم خبرة المربين في التعامل مع هذا النوع من الأبقار التي تحتاج إلى عناية فائقة للوصول إلى النتائج المطلوبة.
إجراءات مطلوبة
إذاً يبدو أن المشكلة باتت واضحة لدى الجميع، ويبقى المهم اتخاذ إجراءات تعيد مسار الهدف المراد من إدخال الأبقار المستوردة إلى سكته الصحيحة، وأهمها تعزيز الثقة مع المربين عبر التأمين على الأبقار، وتأجيل القسط الأول المترتب عليهم للمصرف جراء الخسارة الكبيرة التي أصابت المربين الذين نفقت أبقارهم، وكذلك تكثيف حملات التوعية والإرشاد في كيفية التعامل مع تلك الأبقار، والأهم هو إقامة مشاريع للعلف الأخضر، وأخرى لتصنيع الألبان والأجبان، وإيجاد رؤية واضحة بعلاقة المربي مع المصرف، إجراءات لا نجدها مستحيلة التطبيق أمام الدعم الكبير الذي لاقته التجربة من قبل الحكومة لتطوير الثروة الحيوانية.
رفعت الديك