ثقافةصحيفة البعث

“كويرس وطني الصغير” في الأوبرا

تزامن عرض الفيلم الوثائقي ” كويرس وطني الصغير” إعداد مرتضى شعباني، إنتاج مركز حقيقت وإخراج سعيد صادقي من قبل سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في دمشق والمؤسسة العامة للسينما في دار الأوبرا مع يوم الثقافة لارتقاء الإنسان كما ذكر السفير الإيراني في دمشق جواد ترك آبادي، ومع المهرجان العالمي لأفلام المقاومة الذي يقام في إيران، فقدم رؤية جديدة بأسلوبية الأفلام الوثائقية من حيث اعتماد المخرج على الراوي الشاهد والمشارك بالحدث من خلال شخصية الملازم محمد شاليش الذي التحق بالكلية الجوية عام 2012 ولم يكن يدري ماذا تخبئ له الأقدار، لتتوازى مع هذا الخط الأساسي الذي اعتمد بسرد الأحداث بمخاطبته المباشرة للكاميرا وفق الترتيب والتسلسل المنطقي للأحداث والمشاهد الواقعية، التي تلخص المراحل التي عاشها ألف وخمسمئة شخص بين طلاب الكلية وضباطها في حصار خانق طيلة ثلاث سنوات ونصف، وتمّ تصويرها بكاميرا جوالاتهم الشخصية، مع مشاهد جماعية تشرح كيفية تنفيذ العمليات العسكرية، إلا أن المخرج صادقي أقحم خطاً ثالثاً بالفيلم بانتقال الكاميرا إلى منزل والدة محمد شاليش بطل الفيلم، وبالتحديد المطبخ لتتحدث عن معاناتها وتجربة غياب ابنها والحصار والخوف من استشهاده، ولإظهار البعد الإنساني بالاشتياق والحنين والمفارقة في المنزل الذي يتوافر فيه الطعام وأجواء الحصار التي تفتقد إلى كل مستلزمات الحياة باستثناء الماء والملح في أوقات كثيرة.

الطيران الإيراني والسوري
يبدأ الفيلم بمشهد الطائرة التي تهبط تدريجياً على أرض المطار برمزية إلى الأحداث التي ستقع، وتمرّ الكاميرا بهدوء مع صوت الراوي على مساكن ضباط العائلات المتاخمة لبناء الكلية الجوية وكيفية إخراج العائلات من الطريق الوحيد الآمن طريق الجبل، وفي الوقت ذاته تظهر الكاميرا الجهة الجنوبية الأقرب إلى داعش وجبهة النصرة ومحاولاتهم الفاشلة في اختراق هذه الجهة للاستيلاء على الكلية الجوية.
في المشاهد الأولى تصاعدت الأحداث فعمل الطيران الإيراني على مساعدة الطيران السوري بإيصال الطعام والمواد المطلوبة للعيش، إلا أن داعش كانت تضرب على الطائرات فاضطرت المروحيات أن تحضر في الليالي المعتمة التي لا قمر فيها، لكن الأوضاع ساءت وفي السنة الثانية من الحصار بدأت الإعانات تقلّ وكمية الطعام لم تعد كافية ونفدت المحروقات، واشتدت محاولات الهجوم على الكلية وكثُر الشهداء، فلجأ المخرج إلى صورة سردية روائية تعتمد على المفارقة واتخاذ القرار بالدفاع من أجل الوطن حينما تتماهى الذات معه، في أحد المشاهد المؤثرة التي يتحدث فيها شاليش مع الكاميرا عن حياته السابقة الهادئة وعن حياته الآن عن كيفية تناوله الطعام بصحن غير نظيف لأنه لا يوجد وقت لتنظيف الأواني أمام عدو شرس يخطط ويمتلك أعتى الأسلحة، ليتخذ القرار”مو وقت تاكل حتى تعيش، لكن تعيش حتى تقاتل”.
وتمكن المخرج بدلالات المشاهد الصغيرة أن يصف معاناة العناصر من الجوع والبرد والترقب لكن في الوقت ذاته تمكن من إظهار البعد الإنساني والتقارب الجماعي والإحساس بالمسؤولية من أجل الوطن والاشتياق والحنين.
المنعطف الهام في الفيلم تصاعد مع السنة الثالثة للحصار في الوقت الذي كان يعمل فيه الإرهابيون على حفر النفق المؤدي إلى داخل الكلية الجوية وتفريغ”الريغار” وسده بالرمل وأثناء تجول أحد العناصر سمع صوت الحفر تبعه اشتباك قضى عليه أبطال الجيش العربي السوري وتمكنوا من الدخول إلى النفق وربطه بالأسلاك ومن ثم تفجيره بالبطارية، وعُرضت العملية كاملة من خلال التصوير بكاميرا العناصر الأبطال، هذه الحادثة البطولية كانت سبباً بذعر رجال داعش، وإفشال كل عملياتهم، فتوعدوا بنشرات الأخبار بهجوم ساحق بعد حصولهم على الصواريخ والمدرعات.
المنعطف الثاني بالفيلم العملية الكبيرة التي سبقت تحرير المطار حينما هجمت مدرعة داعش على سور الكلية خلال دقيقة وخمس وثلاثين ثانية، وأصابته، وتسلل عناصر منهم إلى داخل الكلية إلا أن أبطال الجيش العربي السوري قضوا عليهم وأفشلوا عملية الهجوم التي كما صوّرتها الكاميرا لايتخيلها الإنسان واستشهد إثرها بعض العناصر.
في المشاهد الأخيرة تصوّر الكاميرا لحظة دخول الجيش العربي السوري وتحرير المطار والانتقال إلى أرجاء الأبنية نصف المهدمة إلا أن العلم السوري مازال مرفرفاً فوقها رغم كل محاولاتهم، وتعود الكاميرا إلى البعد الإنساني إلى الطريق والسيارة التي تقل محمد شاليش إلى منزله بعد أن شارك بمعارك بطولية إلى عناق أمه الطويل إلى التفاف أهل القرية حوله برمزية إلى تلاحم الشعب والجيش والقيادة في الدفاع عن العلم السوري.

الدعوة إلى الفيلم الوثائقي
وبعد العرض كُرّم البطل محمد شاليش من قبل نائب وزير الدفاع محمود عبد الوهاب شوا والمدير العام للمؤسسة العامة للسينما مراد شاهين واتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية بحضور السفير الإيراني في دمشق جواد ترك آبادي.
ووجه المخرج سعيد صادقي دعوة إلى المخرجين للاهتمام بالفيلم الوثائقي، وتحدث عن الصعوبات التي واجهته أثناء تصوير الفيلم لاسيما أن الأبطال كانوا مشغولين بتحرير الأماكن المتاخمة، وكان لابد من الحصول على الوثائق والصور ومقاطع الفيديوهات، والأصعب كان اختزال الروايات الإنسانية لعائلات العناصر للأمهات والزوجات والأولاد الذين شاركوا جميعاً في هذه الحرب، وبيّن بأن هدفه هو الوقوف في وجه التضليل الإعلامي ضد سورية وإظهار حقيقة ما يحدث، وأن حياته في حلب ومعايشته معاناة أهالي حلب مع الإرهاب ستجسد في فيلمه القادم خطّ تماس.

ملده شويكاني