تحقيقاتصحيفة البعث

ثقافة الرقابة الشعبية!

 

 

لم تتجاوز المسافة الكيلو متر الواحد، إلا أن سائق “التكسي” العامة لم يتوان في طلب الـ 700 ل.س، بل أصر على أن يتقاضى هذه الأجرة التي لا تتناسب أولاً مع التعرفة الصادرة من قبل الجهات المختصة، ولا تتماشى مع ارتفاع أسعار المحروقات، وقطع التبديل، والزيوت، وغيرها من الحجج التي يلجأ إليها سائقو سيارات النقل العام، وخاصة “التكاسي”، لإقناع الزبون بالتسعيرة التي يفرضونها عليه دون وجه حق، وبالمحصلة النهائية امتثلنا كغيرنا لرغبة هذا السائق العجوز ودعواته الاستغاثية: “مشان الله برقبتي أيتام ونسوان”، وذلك احتراماً منا للشيب في رأسه، وكبر سنه، وتعاطفاً مع أوضاعه المعيشية كونه المعيل الوحيد لأسرة كبيرة تعيش قسوة النزوح، وظلم الإيجارات.
وللأسف هذا المشهد المتكرر آلاف المرات يومياً في جميع المدن والمحافظات، والذي ينتهي في الكثير من الأحيان بعراك وتشابك بالأيدي، وإصابات مختلفة، إلى جانب سيل من الشتائم والإهانات، يعبّر عن المعاناة اليومية للمواطن خلال تنقله واستخدامه لوسائط النقل المختلفة التي يزداد التنقل فيها صعوبة من حيث الأعباء المالية، والضغوط النفسية المتعددة التي لم يعد قادراً على تحمّلها في هذه الأيام الصعبة، وهذا ما يزيد من “حماوة” المواجهة بينه وبين سائقي النقل العام بمختلف أنواعه الذين يعملون على فرض تسعيرتهم الخاصة على الناس تحت غطاء الواقع والظروف؟!.
الغريب أنه في مقابل نجاح هؤلاء في استثمار عواطف الناس وإقناعهم بأية تسعيرة يطلبونها، بل يفرضونها، وعدم الاعتراض عليها، أو اللجوء إلى الجهات المعنية، نجد تماديهم الواضح وعدم امتثالهم من جهة للنداءات والدعوات المطالبة بعقلنة الأجور، ومراعاة ظروف الناس، وللقوانين والأنظمة من جهة ثانية، وطبعاً لن نلقي اللوم هنا على الجهات المعنية بهذه القضية، لأنه من الصعب ضبط هذا الموضوع في غياب الضمير، وعدم تعاون المجتمع الأهلي، وثقافة الرقابة الشعبية الداعمة للسلطة الرقابية التي يمكن من خلالها إحراز تقدم حقيقي على صعيد كبح جموح الأسعار، ليس على صعيد النقل العام فقط، بل في كل ما يخص المواطن.
ولا شك أن ممارسة الناس لدور الرقيب سيكون له أثر واضح على حياتهم، وسيسهم في ضبط أصحاب النفوس الضعيفة، ولجم مخالفاتهم التي يتم تناقلها فقط عبر الأحاديث العامة دون أن يكون هناك أي تحرك شعبي باتجاه المعالجات، حيث يستسلم المواطن لوهم “الحلقة الأضعف”، ويتمترس خلف مبادئ ومفاهيم: “حرام.. والمسامح كريم”، فتزداد المنغصات، وتتعدد حالات الاستغلال لحياته؟!.
فهل يستمر الناس بالشكوى والتذمر من الواقع، وتكرار حقوق المواطنية، أم ينعشون رقابتهم الشعبية، وينفذون واجباتهم كما يطالبون بحقوقهم؟!.

بشير فرزان