ليست هواية وممارستها تتطلب تراخيص رسمية علــم ومهـنــة طـبــيــة لـعـلاج الأمـراض والإصابـات المختلفة..
العلاج الفيزيائي غدا علماً له إسهاماته الواضحة في تطوير الصحة، وتجنب المرض، وتخفيف آثار الإصابة، ومنع العجز، وتقييم حالات الإعاقة الشديدة، حتى أصبح هذا العلم جزءاً متكاملاً مع برامج العناية الصحية، وازدادت الحاجة إلى خدماته في ضوء التقدم السريع في المعرفة الصحية الطبية، ونحن اليوم في سورية، بعد أن مررنا بظروف قاسية وحرب شرسة علينا، أصبحت الحاجة ملحة جداً للاهتمام أكثر من أي وقت مضى بالعلاج الفيزيائي بسبب ارتفاع عدد المصابين جراء الحرب، سواء من المدنيين أو العسكريين، لذلك يتوجب علينا العمل على تحسين وتطوير القدرات العلمية والمهنية، وتنشيط البحث العلمي، والاطلاع على أحدث النتائج العلمية التي توصلت إليها الدراسات والتجارب العالمية، والاستفادة منها بما يخدم مصلحة المرضى العليا.
العلاج الفيزيائي
العلاج الفيزيائي مهنة مستقلة طبية تعرف بأنها تطبيق البرنامج الحركي، أو بعض الأدوات على جسم الإنسان دون تداخل جراحي من خلال إجراء تمرينات علاجية، أو برنامج تيار كهربائي معين خاص، أو من خلال إجراء علاج مائي، إذاً هو فرع من فروع الطب يخدم لتحسين الحركة، والمحافظة عليها قدر المستطاع، بهذا التعريف المبسط بدأ الدكتور هادي مشهدية، مدير معهد التأهيل المهني للمعوقين، حديثه عن العلاج الفيزيائي، موضحاً أن هذا النوع المهم جداً من العلاج هو عبارة عن أداء آلية معينة يتم من خلالها التعامل مع الجسم البشري من خلال التوصية بالهيكل الحركي للهيكل العظمي والعضلي والأعصاب بطريقة توصل الإنسان لقدرات عضلية جيدة، وإمكانيات حركية كاملة بكل محاور الحركة الطبيعية ضمن المفاصل، وتمنع حدوث أية تشوهات، أو أي ضعف عضلي مع تقدم الزمن.
تطوير المهنة
تنظيم أصول ممارسة هذه المهنة وحمايتها يقع على عاتق الجمعية السورية للمعالجة الفيزيائية التي تم تأسيسها عام 1998، وأشهرت عام 2000، والتي كان من أهم ما حققته من إنجازات حماية المهنة من التعديات عليها من أية جهة كانت، ورفع مستوى إعداد المعالجين إلى المستوى الجامعي، والتي يعود الفضل بتأسيسها إلى شيخ المعالجين الفيزيائيين السوريين الدكتور بشار خير، رئيس الجمعية، الذي أكد على أن الجمعية هي المرجعية المهنية لمهنة المعالجة الفيزيائية في سورية.
لغط اتضح
لابد من تسليط الضوء على الجهل الكبير في مجتمعنا، واللغط الحاصل بين مهنة العلاج الفيزيائي كمهنة، وما يعرف بالمساج أو التدليك، وهنا يوضح الدكتور بشار خير أنه يجب على كل الجهات، وخاصة الجهات الأهلية كالجمعيات، وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني أن تقوم بالتأكد من الأشخاص الذين يمارسون المهنة لديها من أنهم معالجون فيزيائيون لديهم رخصة من قبل وزارة الصحة، لأن هذه المهنة هي مهنة صحية طبية شأنها شأن المهن الأخرى، وأن يتأكدوا بأن هذا الشخص هو تقني معالجة فيزيائية، أو اختصاصي معالجة فيزيائية، وهذا ما يثبته ترخيص وزارة الصحة بالطبع، مضيفاً بأنه من ضمن المقترحات التي يتم العمل عليها اليوم بداية بالنسبة للتعليم وكلية العلوم الصحية أن يزداد عدد السنوات الدراسية في قسم العلاج الفيزيائي ليصبح خمس سنوات دراسية عوضاً عن أربع سنوات، إضافة إلى أن يكون التخصص في هذا القسم من السنة الثانية وليس السنة الثالثة، بمعنى أن يبدأ التخصص من السنة الثانية لدراسة مدتها خمس سنوات، هذا فيما يخص التدريس، وبالنسبة للممارسة ألا يتم منح إذن فتح مركز للعلاج الفيزيائي للخريج الجامعي الذي يحمل إجازة جامعية إلا بعد أن يكون قد مارس المهنة لفترة، وهذا الموضوع تتم مناقشته مع كل الجهات، سواء مع النقابة المختصة، أو مع الوزارة، وهناك توجه لهذا الموضوع، لأن معظم المهن تشترط على خريجها العمل لمدة معينة قبل السماح لهم بمزاولة المهنة بشكل رسمي كالصيدلي الذي يخدم في الريف لمدة سنتين، أو المحامي الذي يخضع لفترة تدريب أيضاً مدتها سنتان، ومن بعدها يستطيع أن يمارس مهنته بشكل مستقل، أو الطبيب.. إلخ.
المعالج الفيزيائي
فنّد الدكتور هادي مشهدية ماهية المعالج الفيزيائي في سورية قائلاً: هناك مستويان: مستوى التقني الذي يدرس عامين دراسيين ضمن المعهد الصحي، أو المعهد الطبي، ومن ثم يحصل على شهادة، والمستوى الآخر هو خريج جامعة العلوم الصحية في حمص، حيث يتم تخريج المجازين بالمعالجة الفيزيائية، وبإمكانهم أن يكملوا على مستوى الدبلوم والماجستير، وقريباً هناك بعض من يحضر للدكتوراه بمهنة المعالجة الفيزيائية، مضيفاً بأنه ربما أهم ما قد يعانيه المعالج الفيزيائي هو موضوع الحصول على وظيفة، سابقاً كانت وزارة الصحة مهتمة بموضوع التعيين للمعالجين الذين يدرسون في المعاهد الصحية، أما المعاهد الطبية فليس لهم توظيف، وهذه النقطة مهمة جداً لنستطيع تلافي الثغرات المتعلقة بالتوظيف، فاليوم مع ظروف الحرب اضطر الكثير من المعالجين أن يغادروا، والبعض استشهد، وهنا نستطيع تعويض النقص من خلال الطلاب الذين يتخرجون، سواء من المعهد الصحي، أو الطبي، من دون أن ننسى المجازين الذين يتخرجون من الكلية، وحوالي سبعمئة شخص هم متواجدون، وبإمكانهم سد كافة الثغرات الموجودة، وتبقى إحدى أهم الصعوبات التي من الممكن أن يواجهها المعالج الفيزيائي صعوبة التنقل التي من الممكن أن تؤثر على عمله، فمن الضروري أن يكون المعالج مرتاحاً حتى يقدم أفضل ما عنده، وبالنسبة لموضوع التأهيل الرياضي، هو عبارة عن برنامج يدوي متعب، وخاصة إذا كان يعالج إصابات شديدة كإصابة النخاع الشوكي، أو شلل طرفين سفليين، وهذا ما بتنا نراه كثيراً نتيجة الإصابات في الحرب مع الأسف، واليوم هناك من يتعدى على مهنة العلاج الفيزيائي، وهم من أطلق عليهم الدكتور مشهدية وصف الدجالين الذين يتطفلون على المهنة عن طريق قيامهم بمساج أو تدليك للمرضى، مستغلين الوضع الراهن، مع العلم أن المساج أو التدليك هو مادة علمية تدرّس في المعهد أو الكلية، ولها طريقة خاصة، وبالتالي تطبيقه بطريقة خاطئة له عواقب خطيرة على المرض، خاصة أن الوعي لدينا قليل فيما يخص هذه المهنة من قبل الكثيرين، لذلك يسهل استغلالهم!. الدكتور أحمد دويري، مدير المعهد التقاني الطبي في دمشق، تحدث عن أننا اليوم لا نعاني من نقص في عدد المعالجين، ولكن لدينا ما يمكن أن نسميه سوء توزيع أو تخطيط، فلدينا مستشفيات ومراكز مؤهلة تتضمن أقساماً للمعالجة الفيزيائية، ولكن ظروف الحرب خلقت ضغطاً على المستشفيات، لذلك نطالب اليوم بأن يتم توظيف الخريجين، ووضعهم في مكانهم المناسب.
مشروع جريح وطن
المعالج الفيزيائي محمد السكحل تحدث عن أهمية هذا المشروع الرائد والممتاز الذي يدعم الجريح بكل ما يلزمه، سواء كان طبيباً، أو ممرضاً، أو بإسعاف، أو بأدوية، وغيرها من أدوات كالعكازات، أو ووكر للمشي، ولكن البعض من الجرحى العسكريين لديهم شعور بأن الكل تخلى عنهم لأنهم مازالوا يأملون بعمليات تجرى لهم في الخارج، أو حتى في دمشق، خاصة أن معظم هؤلاء الشباب الجرحى نسبة العجز لديهم أكثر من 80 بالمئة، وهذه واحدة من أهم الصعوبات التي نعاني منها كمعالجين فيزيائيين، فالجريح بوضعه النفسي الذي كان في عنفوان شبابه وفي أعلى همة يجد نفسه اليوم ملقى على السرير بحاجة لمن يخدمه في قضاء حاجاته اليومية، صحيح هناك معالج أو ممرض يأتي بشكل يومي إليه، ولكنه يبقى فيما بعد لوحده، وهذا ما يمكن أن يسبب له شعوراً بالكآبة، لذلك من الضروري جداً دعم الجرحى، خاصة العسكريين منهم، بمشاريع تشعرهم بأهمية وجودهم، لاسيما مع وجود أعداد كبيرة جداً من الشباب الجرحى، مختتماً حديثه بأن العلاج مهم جداً، ولكن يبقى الوضع النفسي على درجة من الأهمية لتحسين وضع الجريح، وهذا أقل ما يمكن أن نقدمه لشباب ضحوا بأغلى ما لديهم من أجل الوطن.
تكاليف باهظة
تشكّل هذه المشكلة واحدة من أكثر المشاكل التي يعانيها المرضى بسبب المزاجية في وضع تسعيرة مختلفة، حسب كل معالج، على الرغم من تحديد الوزارة لتسعيرة محددة، ولكن هناك الكثير من المعالجين يستغلون الوضع ولا يتقيدون بالتسعيرة المحددة، لذلك نرى الكثير من المرضى قد امتنعوا عن الخضوع لجلسات علاج فيزيائي بسبب عدم قدرتهم على تحمّل الأعباء المادية للجلسات، مروان حاج عيد، أحد المرضى الذين اضطروا إلى إيقاف العلاج بسبب ارتفاع أسعار الجلسات، وهذا ما اضطره أكثر من مرة لتغيير المعالج الفيزيائي، قائلاً: أجبرتني الظروف المادية القاسية للذهاب إلى معالج آخر أرخص من المعالج الموجود في منطقتي، مضيفاً: من أخلاقيات المهنة أن يكون المعالج رحيماً وإنسانياً، ولكن للأسف هناك من يستغل الوضع، خاصة في ظل عدم وجود رقابة، حيث كنت أقيم في منطقة نائية، وهاأنا اليوم أعاني من تراجع في وضعي الصحي بسبب الانقطاع المتكرر عن الجلسات.
لابد من تذليل وتوفير كل الظروف الملائمة للمرضى حتى يتمكنوا من الخضوع للعلاج الفيزيائي من دون عقبات، خاصة أن سورية تعتبر من أوائل الدول في محيطها، والسباقة إلى الاهتمام بهذا النوع من العلاج، حيث كان افتتاح أول قسم للعلاج في سورية في مشفى حرستا العسكري عام 1971، وهذا ما يوضح الاستشعار المبكر لأهمية هذا النوع من المجال الطبي الهام.
لينا عدرة