“الحفاظ على ثقافتنا والوعي من هيمنة العولمة” في مجمع اللغة العربية
تساؤلات عديدة طرحها د. وهب رومية عن علاقة الثقافة بالمجتمع وعلاقتها بالتاريخ والحضارة وكيف تحاول العولمة الهيمنة على الثقافة؟ وكيف تسربت إلى ثقافتنا وعالمنا؟ وما دور اللغة في ذلك؟ ضمن المحاضرة التي ألقاها في مجمع اللغة العربية، لنجد أنفسنا إزاء تحليل دقيق لمحاولات تعمل على القضاء على الثقافة المحلية. ولم تتخذ المحاضرة الطابع التقليدي إذ اقتربت من سمات البحث المتخصص والمقسم إلى بنود ومحاور اعتمد فيها المحاضر على التبسيط دون أن يخل بالموضوعية كما ذكر.
الصفة الإنسانية
بدأ د. رومية بتعريف الثقافة التي تميّز جماعة عن أخرى وبالتالي تميّز الجنس البشري عن غيره وتؤكد الصفة الإنسانية، ليصل إلى أن الإنسان وحده هو الذي يرث ثقافة جنسه ويضيف إليها، فالثقافة والمجتمع مفهومان متلازمان لا انفصال لأحدهما عن الآخر، وأن المجتمع والثقافة والتاريخ مفاهيم مترابطة ومتفاعلة، فكل مجموعة تصنع تاريخها وثقافتها لذلك تتنوع الثقافات، وعاد إلى تاريخ تطور مفهوم الثقافة في الشعر العربي القديم مشيراً إلى المثقفات التي تعني الرماح، وإلى تطور مفهومها في عصرنا الحاضر، ففي ثلاثينيات القرن الماضي ارتبط بمعنى الأدب ثم أُطلق على العلوم الإنسانية عامة، ليصل إلى أن الثقافة هي الطريقة الشاملة للحياة وتشمل العلوم والفنون والأخلاق والقانون والعرف والعادات التي يكتسبها الإنسان.
التمازج الاجتماعي
وناقش د. رومية خصائص الثقافة، فهي ليست نتاج خصائص عرقية ثابتة بل هي حصيلة تطور التمازج الاجتماعي، متوقفاً عند الزعم الخاطئ بأن ثقافة عرق ما هي الأرقى رافضاً الزعم بأن ثقافة العرق الآري هي الأرقى، فالثقافة قابلة للتغيير ولا توجد في التاريخ مجتمعات بقيت على حالها، والفكرة التي توقف عندها هي أن الثقافة شبه معولمة بطبيعتها لأن القيود المفروضة عليها أقل، ومن طبيعة الثقافة التدفق وعدم الثبات، وارتقاء المجتمعات مرهون بتعدد الثقافات، ويرى بأن الثقافة غير محايدة بطبيعتها لأنها تؤثر تأثيراً قوياً بتغيير نظرة الإنسان إلى الحياة، لذلك قيل: إن الإنسان أسير وعيه.
الثقافة المهيمنة وفروعها
المحور الهام في المحاضرة أيضاً تمحور حول تعددية الثقافة داخل المجتمع الواحد، إذ لاتوجد ثقافة واحدة بل ثمة ثقافة مهيمنة وثقافات متفرعة، ويعبّر عنها بالثقافات الصغيرة، وفي أحايين يتصاعد الصراع بين الثقافة المهيمنة وفروعها كما يحدث في المجتمع الفسيفسائي المكّون من أطياف وطوائف وانتماءات متعددة مثل المجتمع السوري والعربي، وفي هذه الحالة على الدولة السورية والقومية أن تحسّن العلاقة بين هذه الهويات وإلا تتفاقم المشكلات ويتحلل المجتمع إلى نزعات طائفية، وتعددية الثقافة توصل إلى التوازن بين ثقافات الأمة الواحدة، والتوازن أيضاً بين ثقافات الأمم المختلفة لكي لايطغى طرف على آخر، ولكل بلد ثقافة ترتبط بحضارته.
أبعاد العولمة
وعن العلاقة بين الثقافة والعولمة، طرح المحاضر تساؤل ما العولمة؟ ليجيب بأن العولمة تقع في قلب الثقافة الحديثة والممارسات الثقافية في قلب العولمة، فدخل مصطلح العولمة إلى الثقافة العربية في الربع الأخير من القرن المنصرم ومازال يحدث عاصفة من الجدال، ويخطئ دعاة العولمة حينما يخصون العولمة بالغرب ويختصرون العالم بالغرب وحده، ليعرّف العولمة بأنها ذات أبعاد سياسية واقتصادية وتكنولوجية لصالح المركز العالمي الذي يقود ظاهرة العولمة، ويصل د. رومية إلى العولمة الثقافية التي تعمل على نشر القيم الثقافية الغربية ومبادئها لاسيما النموذج الأمريكي، والغاية توحيد الثقافة العالمية بتنميطها على حساب الثقافات المحلية، وهذا يعني تنميط الفروق بين الفنون وكل ما ينسحب من مظاهر الحياة، كما يعني خلق الإحساس بوحدة العالم، وخلق الإنسان العالمي ولايتم ذلك إلا بإقصاء الآخر ونفيه، فالعولمة الثقافية تقف موقف التعدي والعدوان وترفض الخصوصية وتعمل على فرض النموذج الأمريكي من خلال الهندسة السياسية للمجتمعات، ومن أبرز مظاهرها العدوان على اللغة الذي يعني الهوية، العدوان الذي يبدأ بالانتشار اللغوي ثم يتحوّل إلى غزو ثقافي بأفكار وتصوّرات في هيئة رموز، والمشكلة بأن الغزو اللغوي لم يقف عند حدود اللغة وإنما امتد ليصبح غزواً ثقافياً.
ونوّه د. رومية إلى فكرة هامة جداً بأن الغزو اللغوي بدأ مع المرحلة الاستعمارية وتحول إلى غزو فكري، ليصل إلى أن اللغة مازالت أداة أساسية من أدوات النفوذ، مشيراً إلى هيمنة اللغة الإنكليزية على العالم بسبب الترويج الثقافي، وانتهى إلى مفاهيم العولمة الثقافية مبتدئاً بمفهوم التسليع ويعني كيف يصبح الإنسان والثقافة سلعاً تخضع لقوانين السوق، ليصل إلى مفهوم اللاتوطين أي فقدان العلاقة الطبيعية بين الثقافة والأقاليم الجغرافية والاجتماعية وإزالة المظاهر الثقافية المحلية، ليستبدل بالوطن مفهوم اللامكان، أي المكان الذي لايرتبط الإنسان به بعلاقة أو تاريخ أو هوية فتحل العزلة مكان الاجتماع، ويمتد اللامكان إلى الميثيولوجيا الثقافية فيرون بأنها مجرد أسطورة أو خرافة ولامعنى للغيرة على الثقافات الوطنية.
وتبدو الخلاصة بمؤسسة التجسس الأمريكي التي تقوم بإدارة واجهة ثقافية باسم حرية التعبير معتمدة على الأسلحة الثقافية الضخمة من الصحف والكتب والمعارض والأمسيات الموسيقية واللقاءات والجوائز والترويج للثقافة الشعبية البسيطة لنشر النمط الأمريكي وتوظيف التكنولوجيا الثقافية ليصبح العالم شغوفاً بوطن الأحلام أمريكا.
الجانب المظلم
وعقب د. محمود السيد بأن للعولمة جانباً مظلماً وجانباً مضيئاً إلا أن المنطقة العربية لم تأخذ من العولمة إلا الجانب المظلم، بالابتعاد عن كل ما يوحد الأمة العربية، واللغة العربية هي الموحدة، فعملوا على الكتابة بالعامية وإطلاق اللغة الفيسبوكية والترويج للعربيزي والفرانكو آرب، ولابد من التركيز على الواقع العربي وبيان النزعات الهدامة التكفيرية والإرهابية والتطرف الديني، وما قامت به العولمة بالترويج لإسرائيل وتفكيك الهوية الوطنية والقومية عشائرياً ومذهبياً وطائفياً وعرقياً إضافة إلى سرقة الذاكرة والآثار، لذلك لابد من التركيز على التمسك بالقومية العربية. وأكد د. عبد النبي اصطيف بأننا إذا أردنا الحفاظ على ثقافتنا ينبغي أن نكون واعين لمنطلقات العولمة الثقافية وأن لا نقف منها موقف التابع، بل المشارك، والمشاركة بحاجة إلى الغنى الاقتصادي والفكري والمعنوي والمعلوماتي.
ملده شويكاني