مكتبة الأسد بدمشق صرح ثقافي غني بالكتب التراثية والفكرية
في مكتبة الأسد، ذلك الصرح العظيم الذي يستقطب كل الناس سواء في معارض الكتاب أو الندوات، والباحثون يرتادونه يومياً بحثاً عن المعلومات اللازمة لإتمام أبحاثهم، وجمع معلوماتهم.
الجهد والانسجام مع العمل أمر أساسي من متطلبات النجاح والإبداع في هذا الوقت، وهذا ما حدث أثناء حوارنا مع مدير مكتبة الأسد الوطنية وبعض المدراء فيها لتوضيح خطة العمل لديهم، وعرض أهم إنجازاتهم من فهارس المخطوطات، وقوائم الأطروحات، والبيبليوغرافيا الوطنية السورية من أجل تحسين وتطوير المكتبة لتكون شاملة وسهلة تفيد الباحثين والدارسين.
الإبداع
إنّ الإنجاز العلميّ والتوثيقيّ لمكتبة الأسد يتم بشكل دوريّ، وهو من المهام الأساسية للمكتبة، تصل إصداراتها إلى 15 مطبوعة سنوياً، يستفيد منها الباحث أو الدارس، وعن عمل المكتبة قال مديرها إياد مرشد:
حاولنا تقديم ما يتمّ إنجازه في مجالات توثيق إنتاج الفكر السوري وفهارس المخطوطات لما فيها من خدمة كبيرة للباحثين والدارسين، وتفتخر المكتبة دائماً أنها مركز استقطاب للشريحة المثقفة. هذا العمل يتناسب مع المعايير العالميّة للمكتبات الوطنية، ونطمح أن يكون أكثر إسهاماً في تنشيط الحركة الفكريّة والثقافيّة، وتنشيط حركة الإبداع، ودورنا في المكتبة الوطنيّة دعم هذه الحركة، فالمكتبة ليست بناء يحتوي على قاعات مطالعة فحسب، بل هناك جهد كبير يبذل من خلال فريق عمل متكامل يمتلك الخبرة، فمن يرى العمل يمكن أن يقول: إنه مجرد “كتاب” إلا أن هذا الجهد له مردود علمي في كل المكتبات الوطنية في العالم،ومن مهام المكتبة الوطنية أن يكون لديها إصدارات عن الدوريات التي تشمل الصحف والمجلات والكتب التي تحفظ للأجيال للانتفاع منها
الكشاف التحليلي
وعن إصدارات مديرية التوثيق والإعلام تحدثت مديرتها لوزان عرقسوسي فقالت: عند افتتاح مكتبة الأسد الوطنية عام 1984 وضعت إدارة المكتبة خطة لجمع وتوثيق الإنتاج الفكري في سورية، وعملت على نشره بشكل دوري ليتم التعريف به داخل القطر وخارجه، وهو يعدّ من المهام الأساسية التي تقع على عاتق المكتبة، حيث قامت بإعداد الكشاف التحليلي للصحف والمجلات السورية التي تصدر بشكل ربعي كل ثلاثة أشهر. وتابعت عرقسوسي قولها عن مراحل العمل أنه في البداية تصل الدورية من قسم التزويد، ويأخذ الموثق أهم المقالات، ويذكر العنوان، والمسؤول، وتاريخ الدورية ورقم الصفحة.
والإصدار الثاني هو البيبليوغرافيا الوطنية السورية بأشكالها الثلاثة، أما الإصدار الأخير فهو قائمة الأطروحات الجامعية التي يقدمها الطلاب السوريون (ماجستير ودكتوراه) في سورية أو خارجها. وعرّفت عرقسوسي البيبليوغرافيا الوطنية السورية بقولها: هي حصراً للإنتاج السوري (الكتب) بهدف التعريف والمساعدة على نشره محلياً وعالمياً.
وتقسم البيبليوغرافيا الوطنية إلى ثلاثة أشكال، وفي هذا الخصوص قالت أميرة دقماق من قسم التوثيق والإعلام:
البيبليوغرافيا الجارية: وهي التي تغطي ما يرد إلى المكتبة من كتب خلال العام المنصرم، وبيبليوغرافيا المستدركات: وتتضمن جميع الكتب التي وردت متأخرة عن موعد الببيليوغرافيا التي ترد فيه، فيتم استدراكها في إصدار لاحق، والبيبليوغرافيا الراجعة: وتتضمن جميع الكتب التي سبق أن نشرت قبل عام 1984 (قبل افتتاح المكتبة).
وتابعت دقماق حديثها بأن البطاقة تصل إلى قسم التوثيق مفهرسة ومصنفة من مديرية التصنيف والفهرسة، ويقوم العاملون بقسم التوثيق والإعلام بإعداد كشافات مرافقة للببليوغرافيا وهي تتضمن: (عناوين، مؤلفين، دور نشر، موضوعات) للمساعدة للوصول إلى محتوى الببليوغرافيا. أما الأطروحات الجامعية فترتب حسب الموضوع (رقم التصنيف)، وضمن الموضوع بالاسم الثاني للمؤلف (اللقب)، وتصدر بشكل سنوي مرفقاً بكشاف الأعلام المرتب هجائياً. وختمت دقماق بالقول: سنبدأ خطة في العام القادم بحيث يصبح العمل إلكترونياً.
التوثيق
أما عن التوثيق، فتابعت لمى خولاني الحديث بقولها: تقوم الموثقة في مديرية التوثيق والإعلام بتسلم الدوريات من (الصحف والمجلات اليومية والشهرية والنصف شهرية.. الخ). وتوثق المقالات المهمة، والحوارات، واللقاءات الصحفية في جميع الاختصاصات من سياسة وفكر واقتصاد وثقافة وفنون وتاريخ.. الخ، كل مقالة تصنف حسب اختصاصها ضمن تصنيف ديوي العشري في بطاقات خاصة، فتنضد إلكترونياً لتوضع في قاعدة البيانات الرئيسية في المكتبة، حيث توفر للباحث المعلومة بشكل ميسر، ثم يتم طباعة تلك المعلومات الموثقة في كتاب (الكشاف التحليلي) في مطبعة المكتبة الخاصة، وتوزع النسخ إلى المراكز والجهات المعنية بالموضوع.
مشفى المخطوطات
ومن مديرية التوثيق إلى مديرية المخطوطات إذ أشارت معاونة مدير قسم المخطوطات هبة المالح إلى الجهود الكبيرة المبذولة لحفظ المخطوطات في المكتبة، وبدأت بالتعريف بها وهي كل ما كتب بخط اليد وله قيمة علمية، وتنقسم إلى مخطوطات “قديمة” عمرها أكثر من خمسين عاماً، و”حديثة” تقيّم حسب أهميتها.
تحفظ المخطوطات في مستودعات ضمن شروط معينة من الحرارة التي تصل إلى 18 درجة مئوية ورطوبة 54 درجة مئوية لتلائم الورق؛ لئلا يتعرض إلى التكسر والتآكل من القوارض والحشرات، والنظافة من أهم شروط الحفظ في هذه المستودعات، وترسل بشكل دائم إلى قسم التعقيم والترميم والتجليد، ويمكن تسميته بمشفى قسم المخطوطات حيث تحظى المخطوطات برعاية خاصة من العاملين فيه، وإن احتاجت المخطوطة إلى غلاف خاص يقوم قسم التجليد بصنع غلاف ملائم لتاريخ المخطوط. وتابعت المالح: إن الفهارس ليست بدعة ابتدعتها مكتبة الأسد الوطنية، وإنما هي إتمام لفهارس المكتبة الظاهرية، إذ كانت المخطوطات فيها مفهرسة بطريقة مختلفة عن فهرسة مكتبة الأسد ، فالمفهرس قديماً اهتمَّ بالتفصيل عن المخطوط من حيث الفصول والأبواب والمضمون، أما في مكتبة الأسد فاتخذنا منحى آخر، وهو منحى بيبليوغرافي، واعتمدت الطريقة الأنغلوأمريكية المعتمدة في فهرسة الكتب المطبوعة، فتدون البيانات المتعلقة بالعنوان والمؤلف والوصف المادي وفق تلك الطريقة، فاستطعنا بذلك الدمج بين القديم والحديث في الفهارس.
مفاتيح كنوز
إنَّ فهرسة المخطوطات بمثابة مفاتيح لكنوز الأجداد، وعن التعريف بها وضحت المالح معنى الفهرسة التي تقوم على تحديد هُوية المخطوطة، وهناك اتفاق بين الباحثين على عدم وجود منهج موحد في فهرسة المخطوطات العربية أو تصنيفها. وقد وضع كل بلد عربي خطة للتصنيف خاصة به؛ لأن تصنيف ديوي العشري للكتب لا يخصّ فهرسة المخطوطات. ونحن في المكتبة وضعنا خطة وأرقاماً جديدة اطلع عليها الكثيرون من الدول الشقيقة فأثنوا عليها. وتقوم ثقافة المفهرس على الممارسة، والخبرة، والمتابعة، ولابدَّ له من حب العمل والإخلاص والصبر والأناة والأمانة، ويحتاج إلى مجالسة العلماء للانتفاع بتجاربهم وما أتقنوه من خبرات، على المفهرس تطوير ذاته وتثقيفها بالقراءة المستمرة في كل العلوم ليصنف هذه المخطوطات ضمن موضوعاتها الصحيحة، أما بطاقة الفهرسة التي يعدّها فتتضمن العنوان والرقم والمؤلف ومكان النسخ والناسخ والتاريخ والوصف المادي الذي يشمل عدد الأجزاء والأوراق والأسطر والقياس الذي يكون من داخل المخطوط.
البداية التي يختارها المفهرس تتطلب أن يكتب شيئاً من الديباجة مع انتقاء ما يفيد الباحث من التعريف بالمخطوط، ووضع نقاط للكلمات المختزلة، إلى أن يصل إلى كلمة سميته التي يليها عنوان المخطوط فيثبت عند حقل العنوان، الذي يؤخذ من داخل المخطوط أو من نهايته، وذلك عندما يذكر المؤلف أنه انتهى من كتابة كتاب كذا، أما النهاية فتنتقى الأسطر الأخيرة من كلام المؤلف، أما ما دوّن عن الناسخ، وتاريخ النسخ، ومكانه فلا يكتب وإنما توضع هذه المعلومات ضمن بطاقة الفهرسة في أماكنها المخصصة، ونجد في البطاقة حقلاً للملاحظات التي تكتب فيها معلومات تخص العنوان أو المؤلف، وإن كانت نسخة المؤلف، ويقدّر تاريخ النسخ تقديراً إن لم يكن موجوداً في المخطوطة وفق معطيات معينة. كما يكتب في الملاحظات نوع النسخة إن كانت خزائنية وهي تعني أنها كانت موجودة في إحدى خزائن السلاطين، أو الملوك، أو الوزراء، فيها لوحات استهلالية مذهبة بديعة ومزخرفة وملونة ومؤطرة، كما تكتب معلومات عن رؤوس الفقر وعناوين الفصول والأبواب إن كانت بلون آخر، كذلك إن كانت هناك خطوط فوق بعض الكلمات وليس تحتها، ويشار إلى إطار الصفحات للمخطوطات العادية، وتذكر معلومات عن الهوامش إن كان فيها عناوين مطالب وشروح وحواشٍ، كما يشار إلى كون النسخة مصححة ومقابلة، وتذكر السماعات والتملكات والإجازات وخاصة إن كانت مؤرخة. وبعد الانتهاء من إعداد بطاقة فهرسة المخطوطات تجمع البطاقات ذات الموضوع الواحد، وترتب هجائياً، وترتب النسخ للعنوان الواحد، فالنسخ التامة توضع أولاً وترتب رقمياً، أما النسخ المجهولة المؤلف فتوضع بعدها، وتعد هذه البطاقات للطباعة، وتصنع لها إحالات بالعناوين والمؤلفين، كما يعد لها كشافات في النهاية بالعناوين والمؤلفين والنساخ وأماكن النسخ.
إن الفهارس المعدة تسهّل للباحثين البحث عن موضوعات وعناوين المخطوطات التي يريدون تحقيقها، وقد تم عرض هذه الفهارس مع أقراص مدمجة لها في معارض الكتاب السنوية، وبالنسبة لخطة المكتبة في تلبية طلبات القراء فإن أراد أحد الباحثين أو المحققين صورة مخطوطة من خارج القطر فإنه يتقدم بطلب إلى إدارة المكتبة، ويرسل بالمقابل صورة مخطوط رقمية تضيف ثروة جديدة للمكتبة.
وختمت المالح حديثها بأنه سيتم الانتهاء في العام القادم من فهرسة المخطوطات الأصلية كافة ليبدأ العمل بفهرسة المصغرات الفيلمية والأقراص المدمجة والصلبة والصور الورقية، وتحتاج فهرسة المخطوطات إلى دربة ومهارة وثقافة وحضور ندوات لتطوير خطة العمل.
جمان بركات