صالح الخضر: لكل فنان مشروعه الفكري وأسلوبه الخاص
يلجأ الفنان التشكيلي صالح الخضر إلى الفن الحديث والتجريد في بعده العميق عبر ذاكرة بصرية انتقائية، ورحلة استكشاف صوفية هي بداية حوار وتعبير عن لغة إنسانية غنية بمفردات الوجع المقدس والحب، فتحمل أعماله قيمة فنية عالية ورسائل مليئة بالحب والجمال، وقد اختتم مؤخراً معرضه “عن الوجع والمقدس والجمال” في صالة فاتح المدرس للفن التشكيلي معبراً من خلاله عن متعة التجربة ونضج العمل الفني.
رحلة وحوار
وقد تحدث الفنان صالح عن معرضه قائلاً: ضم المعرض خمس وعشرون لوحة بقياسات مختلفة استخدمت فيها مواد مختلفة (أكريليك أو زيتي وسواها)، إضافة إلى أنني استخدمت العديد من التقنيات التي تغني سطح اللوحة، وعن سبب اختياره هذا العنوان لمعرضه أوضح صالح أنه جاء كردة فعل على مفهوم نزع القداسة عن العالم وبالتالي الوصول إلى الحداثة، متسائلاً هل يمكن أن نجد بديلاً للمقدس أو بديلاً للحب والجمال، لذلك فمعرضي هو عن الوجع المقدس وكيف يمكننا أن نختبر وجعنا، على اعتبار أنه تفصيل ملاصق لحياتنا بمفاهيم مختلفة، فالوجع المادي والروحي وحتى النفسي يصل بنا إلى حدود الصمت والعودة إلى بداية ما، فكيف يكون هذا الوجع مقدساً، وكيف لنا أن نختبره في حضرة المقدس ليصير وجعنا مقدساً، وكيف نستعيد حواراً مباشراً مع هذا المقدس في ظل هذا العماء الذي يحيط بنا، مبيناً أنه قد يكون عماء الاعتقادات الخاطئة، أو عماء الكلمة السيئة في حضرة الوجع، ويعود صالح ليؤكد بأن مساحة ما، كمساحة لوحة خالية هي عماء وتبقى كذلك إلى أن يدخلها العقل والمقدس والحب، لافتاً إلى أن معرضه هو دعوة للسفر في داخلنا برحلة استكشاف صوفية قد تكون بداية حوار مع المقدس والوجع والحب، رحلة غنية بمفردات لا علاقة لها بالطبيعي، هي رحلة الوجع المقدس والحب فقط.
متعة التجربة
ويرى صالح بأن التجربة المستمرة والبحث الدائم لإنجاز العمل الفني يقودنا إلى نضج أكبر وتفاعل مع المواد المستخدمة، متابعاً: إذاَ هي المتعة في التجربة والتفاعل مع مجموعه أشياء قد نعطيها شيئا من أحاسيسنا أو عواطفنا الداخلية، لافتاً إلى أن الفن بصورة عامة هو مجموعة انفعالات وهو نشاط تعبيري مهمته إيصال هذه الأحاسيس والعواطف والانفعالات الداخلية، ولذلك فإن حبي للتجريد نابع من كونه يبحث في الجمال الداخلي البعيد عن الطبيعي، فهو يعطيني مساحه أكبر من الحرية للتعبير عن داخلنا، كما أنه يحرك العقل ويفتح معه حواراً عميقاً للتفكير، ليذهب بنا في رحله صوفية لا تخلو من الموسيقا والشاعرية، وفيما يخص لجوء صالح إلى التجريد على الرغم من كون مجتمعنا يعنى بالصورة القريبة يقول: صحيح أن مجتمعنا يعنى بالصورة القريبة ولكن علينا أن نقترب من روح الأشياء بمعنى تجريدها من ماديتها وصولاً إلى المقدس لفتح تفاعل وحوار مباشر معه، بمعنى آخر أن نحرر الذاكرة التاريخية من التصورات المتحجرة.
أسلوب خاص
ومن الطبيعي أن يمتلك كل فنان مجموعة منابع شخصية يتأثر بها بالإضافة إلى التأثير الذي تتركه مجموعة التجارب الفنية التي يطلع عليها في الحياة التشكيلية، وعن هذا يوضح صالح: الفنان الجيد يمتلك ذاكرة بصرية غنية ليس فقط مع اللوحة بل مع محيطه يتعاطف معه ويتفاعل مع دلالاتها، ومن الطبيعي أن تؤثر فينا التجارب الفنية فهي تاريخ وحاضر المجتمع، ولكن مع كل هذا يجب أن يكون لكل فنان تجربته وأسلوبه الخاص الذي يعبر عن رؤيته وبصمته الخاصة به دون سواه، بالإضافة إلى إظهار مشروعه الفكري المرتبط بثقافة المجتمع وثقافة الإنسانية جمعاء، وفيما يخص معيار اللوحة الأصيلة أو التجربة الأصيلة يرى صالح أنه إلى الآن توجد إشكالية في تحديد قاعدة عامة ومعيار معين لها، وأما بالنسبة لي فهي اللوحة التي يكون فيها ضرباً من التوافق بين أحاسيسنا وأفكارنا وبالطبع لا يمكن أن يتم هذا إلا بعد نتاج تراكمي لتجارب وخبرات مستمرة، مؤكداً على أن موضوع الاقتناء مختلف تماماً عما تحدثنا عنه فيما يخص معيار اللوحة الأصيلة، فالاقتناء ليس مقياساً على أهمية التجربة دائماً.
لوردا فوزي