منتدى “ورق” ماراثون ثقافي لتنشيط المعرفة.. وأفكار بعيدة عن النمطية لخلق جيل قارىء
بعيداً عن ضجيج المقاهي والكافيهات التقليدية الموجودة في محافظة طرطوس، وبعيداً عن أجواء الأغاني الشعبية، والجلسات التي لا يغيب عن معظمها لعب الورق، أو طاولة الزهر، وغيرهما من الأجواء الكلاسيكية أو الصاخبة التي يحظى بها رواد تلك المقاهي، هناك نمط مختلف كل الاختلاف بدأ يدرج، وأفكار جديدة تؤسس لحالة ثقافية نخبوية باتت تجد موطىء قدم لها في أماكن أخرى من المدينة الهادئة ذات الخصوصية السياحية، تشعر بالفضول حين تسمع عن ماراثون ثقافي يضم اختبارات مختلفة بين مجموعات شبابية متعددة في ناد ثقافي تم تأسيسه يحمل اسم “ورق”، وهو اسم ملفت ومختلف لمكان هادىء يمكن أن يحمل في الشكل ترخيص مقهى، لكنه في المضمون يشكّل حالة فريدة وجديدة، ويمثّل تعطش فئة شعرت بخسارة خصوصيتها الثقافية بعد غزو ثقافي وتكنولوجي أجهز معرفياً على جيل بأكمله، وبات معه من القليل جداً والنادر أن نجد من يدخل المقهى طلباً لمكان هادىء يحظى فيه بالقراءة التقليدية، أو يتعاطى مع التراث كحالة مكونة لثقافته، أو يبحث مثلاً عن جلسات طرب هادئة، أو عن أغان منسية، لتكون مثل تلك المبادرات ضرورية لتنشيط الذاكرة، وصون الخصوصية، وإذكاء العلم والمعرفة والتراث عند أجيال تبتعد عنها وتفقدها تدريجياً.
ماراثون ثقافي
وبشكل يشبه المسابقات التي نراها في برامج تلفزيونية شهيرة، كان الماراثون الثقافي الذي شاهدناه في ذلك المكان، وكنا قد قرأنا إعلانه مسبقاً على إحدى صفحات التواصل الاجتماعي، يمثّل ذلك الماراثون نافذة على معلومات ثقافية ومعرفية انتقلت بين فئات شبابية مختلفة من رواد منتدى “ورق” وسط جو من الحماس والتحدي، حيث تضمنت مسابقاته أسئلة مختلفة حول معلومات عامة بستة مجالات مختلفة هي: (فن، موسيقا، أدب، رياضة، علوم، تاريخ، جغرافيا)، وحول تلك المعلومات تبارت ثمانية فرق، كل فريق منها مكوّن من ثلاثة أشخاص مع هامش لأعمار مختلفة للمشاركة، فكان الحضور من مختلف الأعمار بعد أن تمت الدعوة عن طريق صفحة النادي على الفيس بوك، مع شروط أولية أن يكون هناك قدر من معلومات عامة موجودة عند المشارك، وتكون النية للحضور والتسابق مع الفرق والاستمرار، وبعد أن اختارت الفرق أعضاءها، واسم فرقها، بدأت المباريات بينها، سؤال سرعة يحدد الفرق التي تبدأ بالمسابقة، ثم بطريقة مشابهة لدوري كرة القدم تبدأ الجولات، ويستمر التنافس الذي يمتد لأسبوع تقريباً، ثم ينتهي أخيراً بتتويج الفريق الفائز، وحصوله على لقب الماراثون، وكان الفريق الفائز يحمل اسم عوينات.
فكرة البداية
ومن مجموعة شبان وفتيات (تسعة أشخاص من اهتمامات واختصاصات مختلفة في الأدب والفن والموسيقا وعلم النفس والاجتماع)، كانت البداية، وبذرة الفكرة التي نمت ونضجت بالتدريج لتصبح حالة مقهى فريد يشبه المنتدى الثقافي، تتحدث ايناس معلا، مديرة المنتدى وصاحبة الفكرة الأساسية، عن المشروع بالقول: ورق هو مكان ثقافي يعمل مع الأطفال والكبار على حد سواء، فهناك فعاليات دورية، وأنشطة ثقافية مختلفة، فمثلاً يتم كل يوم ثلاثاء عرض فيلم هادف، أو يحمل فكرة معينة، وفي كل فترة وأخرى يتم طرح مواضيع للنقاش، جلسة حوار عن الهوية السورية كانت مطروحة مؤخراً في المنتدى، وغيرها الكثير من المواضيع والنقاشات الهادفة التي تتم بين شبان وفتيات، يحمل كل منهم رؤى وأفكاراً مختلفة، لكنها بناءة وهادفة، وتنمي حالة الحوار الحضارية المطلوبة في المجتمع السوري، وتكمل معلا: حين بدأنا بالمشروع كان الهدف العمل على خلق جيل قارىء ومثقف، فالمشروع بالبعد الأسمى له غير ربحي، فأي نشاط ثقافي يتم في المنتدى يكون مجانياً مثل عرض الأفلام، والجلسات الثقافية، والأمسيات الموسيقية، أو شبه رمزي في حالات أخرى يتم فيها تأهيل الأطفال، لكننا نتقاضى فقط أجور المشروبات التي تقدم لتغطية الكلف والمصاريف.
جمهور نوعي
كان ملفتاً حجم الجمهور الذي نجح المنتدى بالعمل عليه خلال مدة بسيطة، والذي يعزوه القائمون عليه بتعطش فئة من الشباب لمثل هذا النوع من الأماكن، إضافة إلى العمل على بناء جمهور نوعي عبر صفحات التواصل الاجتماعي يتضمن التعريف بالمكان، والفعاليات التي تقام من خلال صفحة تحمل اسم “ورق بيتنا الدافي”، وهو ما أكدته مديرة منتدى ورق، حيث قالت: استطعنا عبر صفحات التواصل الاجتماعي بناء جمهور جيد نوعاً ما، ونعمل كثيراً على السمع، وكل أربعاء هناك أمسية غنائية من نمط مختلف، وهناك فريق كامل من الفنانين الذين نتواصل معهم، ويرتادون المنتدى، حيث نقدم ألواناً من التراث الشعبي والغنائي، كذلك لدينا مكتبة منوعة وغنية بمواضيع مختلفة لمن يريد القراءة، وهناك جو قراءة دائم.
بعيداً عن النمطية
أفكار أخرى بعيدة عن النمطية تميز بها المنتدى، فالعمل على تعديل سلوك الأطفال فكرة جميلة، وهدف سام كان أحد الأهداف التي وضعها القائمون عليه، ويطرح القائمون على المشروع أفكاراً تم العمل عليها قبل أشهر، حيث تم العمل على تعديل السلوك العنفي عند بعض الأطفال، والعمل على تقوية شخصية الأطفال الخجلين، وهذه المبادرة حملت اسم بداية الطريق لمجموعة من اليافعين الذين كان لديهم عنف وخجل، كذلك أوضحت معلا: قمنا بأربع جلسات نقاش حول مواضيع الثقة بالنفس، والمشاركة بالرأي والعنف، وكان هناك لقاء مع الشاعر عبد الله حسين من القلب للقلب مع هذه الفئة، فالعمل مع الأطفال له خصوصية مميزة، ولدينا شيء آخر خاص للأطفال، فهناك ناد صيفي مأجور، وناد شتوي يحمل اسم كنكونتي، ولدينا مساحات نطلق عليها تسميات فريدة، فلدينا “كنكونة” القراءة، و”كنكونة” الرسم والإبداع، ولدينا مراسم وألوان، وهذه كلها أفكار بعيدة عن النمطية والتقليدية، حاولنا أن نقدم من خلالها حالة فريدة ومختلفة.
محمد محمود