ثقافةصحيفة البعث

“بنية التشكيل في الخط العربي” ختام الأيام التشكيلية السورية

 

كان الخط العربي حاضراً في الأيام التشكيلية السورية، كيف لا؟ وهو أجمل الفنون البصرية وأكثر الإبداعات العربية نقاءً، وهو هوية ولغة وتراث وقيمة جمالية كبيرة، ولذلك كان ختام الندوات التشكيلية “مسك” وحرف عربي معطر بالأصالة والعراقة أثار شجون وهموم المعنيين بالخط العربي في ظل وجود تهديد باندثار مهنة الخطاط مع تراجع اللجوء إلى الكتابة الورقية أمام الثورة التكنولوجية والمد الالكتروني، مما خلق جدلاً وحواراً مثمراً في الندوة التي كانت أكثر الندوات حظاً في استقطاب المعنيين بموضوعها حيث تميزت بتواجد عدد من الخطاطين السوريين، وكانت بإدارة الخطاط والفنان أكسم طلاع الذي دعا إلى الحفاظ على قيمة الخط العربي فهو عنوان الأصالة في زمن ضياع الهويات، وبما أن الخط يمتلك مقومات التجديد هذا جعله معاصراً بأياد مبدعة فتراه احتل مساحة في المشهد التشكيلي العربي، وافرز اتجاهاً فنياً جديداً هو الحروفية.

قابل للتطوير
بدأ الحديث المحاضر الوحيد الذي تواجد في الندوة د محمد غنوم عن “بنية التشكيل في الخط العربي” فعرف الخط العربي بأنه رسم للحروف والكلمات بشكل جميل ضمن تشكيل معين وهو فن بصري عربي بامتياز، وهذه الرسوم لتلك الحروف والكلمات لم تكن لتخضع لمقاييس جمالية لو لم تمر بمراحل ودراسات وتجارب أوصلتها إلى الشكل الذي يبهر الأبصار بأجمل الصور، مشيراً إلى أن الخط العربي ساهم بفعالية في رسم هوية بصرية متميزة للفنان التشكيلي العربي وترسخ ذلك عندما بدأ “ابن مقلة” في العصر العباسي بهندسة الحروف واضعاً القواعد والمقاييس، ومتجهاً نحو نظرية جمالية عربية يمكن أن تتطور مع الزمان والمكان كما يمكن أن تدفع عشاق هذا الفن إلى التنافس في مجال الإتقان والدقة والتألق والإبداع والتجديد، مؤكداً أن تجارب الفنانين الخطاطين حملت خصوصية كل منهم وتجربته الخاصة على الرغم من التقيد بالقواعد والأسس والأوزان والمقاييس، مبيناً أنه لا يمكننا إنكار الدور السلبي للمحاكاة والتقليد التي تحد من الإبداع وتؤدي بصاحبها أحياناً ليكون عبداً بل أسيراً لإتقانها والتقيد بتفاصيل القواعد دون الحياد عنها، وهذا لا يعني أن دراسة تلك القواعد غير ضروري بل هي مهمة ولا يمكن إغفالها، ولكن يجب أيضاً عدم إغفال أنها لم تنزل من السماء فهي تجارب فنانين واكتشافات جمالية نتجت بالبحث والثقافة، متابعاً: قد يتساءل البعض: ألم يصل الخط العربي إلى درجة الكمال الجمالي فهل يمكن أن نضيف عليه كمالاً جديداً ونتجاوز القواعد والأصول ونغير ونبدل؟ وهل يمكن أن نبدع خطوطاً جديدة ونبتكر أوزاناً ومقاييس تختلف عن تلك المتعارف عليها؟ ثم يلفت غنوم إلى أن الخط العربي فن بصري يندرج ضمن مدرسة التجريد وهو أقرب مايكون إلى النقاء البعيد عن التأثر بالفنون الأخرى وأعطى الإنسان العربي هوية بصرية متميزة، إذ بني على دراسة متأنية، بالإضافة إلى القفزة النوعية التي حققها له الإسلام والقرآن الكريم، ثم يعود غنوم ليؤكد بأن الخط نتج من إبداع الإنسان العربي، وبما أنه نتاج إنساني فلن يقف عند حد ولن تكبله القواعد وتضعه في سجن المحاكاة وعدم التطور، واليوم نشهد تجارب فنية بنيت على تجارب سابقة وتجاوزتها ومضت غير آبهة بأقوال المتزمتين واستفادت من التطور التقني وأدهشت النقاد والمتذوقين ودخلت في عالم الألوان والتقانات الحديثة وحملت فكراً متطوراً، خاتماً بالقول: لقد دخل الخط عوالم جديدة ولم يترك مجالاً من مجالات الجمال في الفنون البصرية إلا وكان له دور مهم في إضفاء الإبداع.

مداخلات الحضور
ومع تواجد عدد من الخطاطين في الندوة تركت مداخلاتهم انطباعاً جميلاً ونقاشاً غنياً، وقد أشار الخطاط محمد قنا إلى أهمية فكرة التطوير في الخط العربي فليس هناك أي عائق من أن يهذب أحد الخطاطين ويجمل ماجاء في قواعد الخط العربي وبذلك ننقلها إلى الحداثة، مؤكداً أنه رغم أهمية دراسة القواعد إلا أنه ضد فكرة التقيد الكامل بها إذا كان ذلك يعطي شكلاً فنياً وانسيابية وجمالاً، مشيراً إلى أن بعض المسابقات الدولية تطالب الكتابة بناء على مدرسة أحد الخطاطين مما يقيد الخطاط، كذلك لفت الخطاط أدهم جعفري إلى أهمية أن نثري ثقافة المجتمع بالخط العربي، لأنه استطاع أن يؤدي وظيفته في كل عصر وهو قادر على تأدية الوظيفة في عصرنا الحالي ولكننا بحاجة إلى اجتهاد واهتمام، ورأى أن الحرف العربي يعيش نهضة حياتية كبيرة واستخدامه في اللوحات أكبر دليل على ذلك، وأشار إلى مسألة ضعف النسخ لأن الخطاطين أنفسهم لم يعودا يكتبون كما السابق.
لوردا فوزي