في قيمة الكِتاب
عبد الكريم النّاعم
مازلنا، نحن محبّي المطالعة وقراءة الكتب، نردّد شطر بيت المتنبّي الشهير “وَخيرُ جليس في الأنامِ كتابُ”.
قراءة الكتب تمنحك الاطّلاع على أفكار عباقرة العالم ومُبدعيه، وتُرافق معه مشاعر المبدعين من شعراء وروائيّين، وقصّاصين، وكتّاب زوايا وخواطر، كما تواكب، عبر القراءة، أزمنة موغلة في القِدم، وتعرف أخبارها، وعاداتها، وما جرى لها عبر موغلات القرون.
أعرف الآن أنّ الكتاب في غربة بالنسبة للأجيال الطالعة والتي استحوذ عليها الفيس بوك، وما تحتوي عليه الموبايلات من طاقات، ولكنّ هذا لا ينفي أنّ قرّاء الكُتب يجدون متعة حقيقيّة في متابعة السطور، وفي تقليب الأوراق، وفي اجتناء ما زُرع في تلك الحقول الرائعة، أقول هذا رغم معرفتي أنّ ما أكتبه، وما يكتبه الآخرون، لن يجد طريقه إلى مُدمني الموبايل، حتى لتظنّ أنّهم قد حُقنوا بشيء ما مضاد للكتاب!!
الذي نشر عبق ما سأورده، أنّني أعود إلى بعض المراجع التي لا يُستغنى عن العودة إليها، وآخر أحد الكتب التي بين يديّ كتاب “جماليات المكان” لغاستون باشلار الفيلسوف والأديب الفرنسي المشهور، وقد ترجمه المرحوم الأديب غالب هلسا، وأهدانيه مصوَّرا على الورق طبيب القلب المشهور الدكتور عاطف أتاسي، طيّب الله ذكره، صوّره وقدّمه لي، لأنّ الكتاب لم يكن متوفّرا في ذلك الوقت، وكان هذا عام 1968، وكانت عادة إهداء الكتب موجودة بين الأصدقاء، ولا يعرف قيمتها إلاّ مدمن قراءة ومطالعة.
الصديق الدكتور عاطف أتاسي ما يزال هذا الكتاب يحمل شيئا من عبق روحك،
تُرى ماذا يتهادى الأصدقاء من أبناء جيل أحفادي؟ أنا لا أعرف، ولكنني أعرف أنهم لا يتهادون الكتب لأنّ زمنها يبدو أنه قد انحسر، لاسيّما في الوطن العربيّ، أمّا الأوروبيّون الذين صدّروا لنا صفحات التواصل الاجتماعي، مع كلّ الإجلال لإنجازاتهم العلميّة، الأوروبيون ما يزالون يقرؤون الكتب والمجلات وهم في المترو، أو في القطار، أو في محطّات الانتظار، وهذا ما حدّثنا به أكثر من واحد ممّن أقاموا في تلك الديار، أمّا نحن، وياللأسف فقد تحوّلنا إلى أدوات استعبدتها ألعاب الموبايل، والانغماس في الأمور السطحيّة، حتى وصل البعض إلى مرحلة أنّه يقدّم ورقة فحصه في مدرسته فما يستطيع أستاذه قراءة حروفه!!
أحد التلاميذ يسألني ما إذا كانت “السويد” دولة عربيّة”، وهذا، حين كنّا في مثل سنّه، كنّا نحفظ كيف نرسم خريطة الوطن العربيّ، ونعدّد البلدان العربيّة دون تلكّؤ.
أظنّ أنّ المناهج الدراسيّة هي السبب، لأنّ مَن سألني لا ينقصه الذكاء، وهو أفضل مني بكثير في شؤون الكمبيوتر، ولكنّ الإعراض عن الكتب الضروريّة لتنشئة جيل يواكب الأحداث، إنْ وُجدت، فلا أحد يقرؤها.
تُرى إلى أين يُسار بأهل هذا الكوكب الذي يتحكّم في تنميطه العقل المركزي الأوروأمريكي، لجعله صالحا لاستهلاك منتوجات الغرب فقط، بينما هم في مجتمعاتهم يحرصون على تنشئة أجيال قادرة على المواكبة، وعلى الثقافة، وعلى المتابعة؟!!
أعتقد أنّ من مهام الدول الرافضة للهيمنة الأوروأمريكيّة أن يكون أحد همومها النّاجعة هو تخليص الإنسان من ربقة الشركات العابرة للقارات، والتي لا هدف لها غير جمع المزيد من الأموال، على حساب أهل البلاد المتحكَّم فيها، وسيكون ذلك أحد الفضاءات المُتاحة لتحرير سكان هذا الكوكب من عبوديّة تُصاغ لتحويل الإنسان إلى آلة في يد مَن يجلس في قُمرة القيادة.
aaalnaem@gmail.com