ثقافةصحيفة البعث

هيام سلمان: لا يمكن للفنان أن يكون عالمياً إن لم يلتصق بواقعه

أنثى من مرمر وضوء، هي إنسانة قبل أن تكون فنانة، بإبداعها التشكيلي أرادت أن تحمل لوحاتها جمال مشاعرها وإحساسها الفريد بما يحيط بها، همّها الوحيد نثر الفن في أرجاء مجتمعها ليشعر الجميع بكمّ العذوبة والسعادة التي بداخلها.
تدخل عالم الألوان وكأنها تريد غسل حزن مدينتها بضربة ريشة واحدة، تدخله لتقف على حدود الأمل، ولرصد كل جميل ومختلف.. ببساطة وبريشة حرة وبذوق عالي المزاج، تقص علينا الفنانة التشكيلية هيام سلمان حكايات الجمال.
بداية من هي هيام سلمان؟
فنانة تشكيلية ورئيس مجلس إدارة جمعية “أرسم حلمي الفنية”، وأعتبر نفسي دائما هاوية للفن رغم أنني وفي كل لحظة من حياتي كان لدي هواجس فنية تشكيلية حملت لغتي لتعبيرية الخاصة، وأعتقد أنها كانت مميزة بأدواتها ومفرداتها حيث انتقلت من الرسم بالألوان الزيتية إلى الرسم باستخدام بقايا الأقمشة والإبرة والخيط.. وهذا ما ميزني عن غيري من فنانات سورية.
هل الفن موروث؟ وماذا تحدثينا عن تأثير الوسط المحيط بك في مسيرتك الفنية؟
كانت نشأتي في بيئة اجتماعية تعتبر الثقافة حاجة وضرورة ملحة، تأثرت بأشخاص حولي اختاروا الفن طريقاً لهم، وكنت طفلة حين كان أخي الأكبر يرسم، وتعلمين إغراءات الريشة والألوان وتلك اللوحة البيضاء بالنسبة لفتاة صغيرة تحمل في داخلها رغبة جامحة للتعبير عن الذات بطريقة مختلفة، وحين أردت اختيار كلية الفنون الجميلة، كان مقرها دمشق فقط، ولم تكن الظروف الاجتماعية أو الاقتصادية تساعد على أن أكون بين طلابها، فوجدت طريقاً آخر لممارسة ما أحب، وكان مركز الفنون التشكيلية في اللاذقية الذي تخرجت منه بعد أربع دورات متتالية، لأشارك بمعرض فناني اللاذقية الثالث في الثمانينيات، ليليه معرضا مشتركا لثلاث فنانات من اللاذقية كنت واحدة منهن، وهكذا كانت البدايات.
ماهي أبجدية الفنون التشكيلية بشكل عام، وهل لك مفردات خاصة بك؟
على كل فنان أن يمتلك أدواته ومفرداته الفنية التشكيلية الخاصة، ولاشك أن للفنون التشكيلية أبجدية غير متناهية ولا محدودة.. أبجدية يبتكرها الفنان لتكون بصمته الخاصة والمميزة والفريدة، ولأن الفنان يتأثر بكل ماحوله من أصوات وصور وأحداث، فهو يستخدم لوحته الخاصة ليعيد صياغة مايراه ويشعر به بذاتية وفردانية لتتجلى مشاعره وأحاسيسه وأفكاره بأصالة تدل عليه، وأعتقد أنني استطعت بطريقة أو بأخرى أن أعبر عن بعض شخصيتي من خلال استخدامي للأسلوب التعبيري الأقرب للتجريد في رموز عديدة ركزت فيها على/المرأة،الشجرة،القمر..الخ/في معظم لوحاتي الفنية.
هل تطمح هيام للعالمية أم أن هذا الهاجس لم يشغل بال إبداعك أبدا؟
أعتقد أن العالمية إن لم تأت كنتيجة للإغراق بالمحلية، فلن تأتي أبداً، إذ كيف للفنان أن يكون عالمياً إن لم ملتصقاً بواقعه، بمجتمعه وقضاياه، بمفردات حياته وحياة من حوله اليومية؟ كل مفردة لا تأتي من البيئة التي يعيشها الفنان الحقيقي ستكون مفردة غريبة هجينة بعيدة عن الأصالة، وهنا لابد أن أنوه إلى أن أعمالي ببقايا الأقمشة استلهمتها من المشغولات القماشية للسيدات الريفيات في محافظات سورية من شرقها إلى غربها ومن جنوبها إلى شمالها، نساء استخدمن بقايا الأقمشة بطريقة فطرية ولحاجة اقتصادية لصنع/غطاء طاولة، غطاء سرير، غطاء وسادة، “جيابية”.. الخ/والهدف الأساس لمشغولاتهن تلك كان للاستخدام اليومي، لكنها بنفس الوقت كانت تحمل بين طياتها قيم الفن الفطري العفوي.
ماهي الألوان الأكثر حضورا في لوحاتك ولماذا؟
للون قيمة كبرى في اللوحة الفنية التشكيلية، ولأنني اخترت التشكيل ببقايا الأقمشة، فقد كان اللون بألقه كله موجوداً في لوحاتي بكثافة، ليس لونا واحدا يطغى على بقية الألوان، بل هي مجموعة الألوان تتداخل وتتوالف لتحقق الانسجام الذي يتجلى بصيغة اللوحة النهائية، وهذه ميزة أيضاً.
وماهي العقبات التي تقف عائقا في وجه الفنان التشكيلي- حسب رأيك طبعا؟
الفن التشكيلي في مجتمعاتنا العربية غالبا ما يصطدم بعقبات المفاهيم القاصرة عن إدراك أهمية الفن في حياة المجتمعات البشرية عبر العصور وحتى يومنا الراهن، ويتجلى ذلك من خلال إهمال مادة الفنون في كل المراحل التعليمية لترجح كفة المواد التعليمية ذات التحصيل العلمي أو الأدبي “لغات، رياضيات، علوم..الخ”. وفي حال وجود مهتمين بالفنون ستجدين العقبات الاقتصادية المادية التي تتجلى بغلاء أسعار المواد الخاصة بالفنون “ألوان، فراشي، أدوات النحت…الخ”، لأن ممارسة الفن التشكيلي تحتاج إلى الكثير من التفرغ وهذا غالبا صعب التوفر في مجتمعاتنا التي تعتمد على جهود المرأة واهتمامها الدائم بشؤون المنزل، ولهذا غالبا ماتتوقف المرأة عن ممارسة الفن بعد زواجها أو إنجابها للأطفال، وأغلب الفنانات اللواتي حققن اسماً وتركن بصمة في مجال الفن التشكيلي إما بقين عازبات دون زواج أو كان شريكهن في نفس المجال الفني التشكيلي/رساما أو نحاتا/ ويعرف خصوصية الحالة ومتفهماً لها ولتفردها، وأعتبر نفسي واحدة من المحظوظات بوجود هذا الشريك المتفهم والداعم، زوجي النحات ماهر علاء الدين الذي لولا تفهمه ودعمه اللامحدود لي لما استطعت أن أكون ما أنا عليه اليوم.
وهل من دور أداه الفن التشكيلي في سنوات الحرب سيئة الذكر؟
للفن التشكيلي دور ثقافي، اجتماعي، وتسجيلي في أغلب الأحيان، فالفنان هو الإنسان الأكثر تأثرا وحساسية بما يدور حوله من أحداث ووقائع في حالات السلم أو الحرب، ودائما ستجدين عند الفنان الهاجس للتعبير عن تلك الحالات الانفعالية، فكيف إذا كانت الحرب تحيط به بأهوالها ومآسيها!. هناك فنانون اعتكفوا وهجروا مراسمهم، ووقفوا عاجزين عن التعبير، تقتلهم الصدمة والشعور بالعجز والكآبة، إنه مخاض عسير لن يخرجوا منه قبل أن تنذر الحرب بقرب النهاية، لكن المتفائلين منهم سيرسمون الحب، الفرح، الجمال والسلام، لإيمانهم أن سلاحهم ضد همجية الحرب وقسوتها هو فرشاة وألوان تنبض بالحياة في مواجهة العنف والكراهية التي ولدتها الحرب.
أدراج مدينة اللاذقية شاهد عيان، وحالة توثيقية للكم الهائل من الإبداع الذي حمل توقيع جمعية “أرسم حلمي الفنية”، حبذا لو تحدثينا عن هذه التجربة الرائدة، وعن نشاطات الجمعية ولاسيما أنك مديرتها؟
هي جمعية أهلية غير ربحية تعنى بالفن التشكيلي عموما وفنون الأطفال على وجه الخصوص وقد أشهرت الجمعية في نهاية عام 2010 قبل بدء الحرب على سورية بأشهر قليلة، وكان لابد لنا كجمعية ثقافية أن نكون مؤمنين بأهدافنا إلى درجة كبيرة لنستطيع أن نصمد وسط كل مايحدث حولنا من أهوال استمرت لثماني سنوات، خلالها ومع نمو الفكر التطوعي القائم على المساندة وتقديم الخدمات المجانية للفئات المحتاجة للدعم والمساندة، تشكل فريق أرسم حلمي التطوعي الشاب المؤلف من مجموعة من خريجي وطلاب كلية الفنون الجميلة وكلية العمارة، بالإضافة إلى شباب وصبايا من كليات أخرى هوايتهم وهاجسهم الفن التشكيلي. هذا الفريق الذي نعتز به عمل خلال سنوات مع أطفال ويافعي الجمعية وساعدهم على تخطي أصعب اللحظات التي مروا بها، وأعطى من وقته وجهده بمنتهى المسؤولية والإصرار والاهتمام والمحبة، وكان هذا الفريق المسؤول الأول عن حملة “حيطانا بتحكي” التي انطلقت في عام 2017 من مستوصف بسنادا حيث قاموا بالرسم على جدران قاعة الأنشطة بالمستوصف مع المدخل والدرج الصاعد إلى القاعة بلوحات توجيهية طبية وصحية، لتنتقل الحملة إلى مشفى الأطفال والتوليد في اللاذقية وتزيين 16 غرفة من غرف إقامة الأطفال بلوحات تحمل مفردات طفولية بألوان زاهية تبث الفرح في نفوس الأطفال الذين يعانون من أمراض مستعصية وتطول فترة بقاءهم في غرف الإقامة بالمشفى، وقد استمرت الحملة ثلاثة أشهر، لينتقل الفريق في عام 2018 إلى المرحلة الثالثة من الحملة على أدراج وجدران بسنادا، وقد استمر العمل بالحملة ثلاثة أشهر بدعم من ابن بسنادا المهندس قصي الشيخ، قدمت الحملة رسائل سلام ومحبة وجمال، لتقول إننا كسوريين أبناء حضارة، أبناء أوغاريت وماري، أفاميا وتدمر. أجدادنا اخترعوا الأبجدية الأولى والنوتة الموسيقية الأولى وتفوقوا بالعلم والأدب، وكان طريق الحرير صلة الوصل بين الشرق والغرب، فكيف لنا ونحن امتدادهم أن لا نمتلئ بإرثهم الثقافي، وكيف لنا أن لا نؤمن بأن هناك طائر فينيق ينتظر لينهض من رماد الحرب ويقوم من جديد.
أنوثة هيام سلمان العذبة، لأي درجة كانت حاضرة في مواضيعها الفنية؟
الأنوثة ميزة، وفي أعمالي الفنية تظهر وتتجلى بوضوح، فقطعة القماش والإبرة والخيط، وتلك الخيطان الملونة، لطالما احتضنتهم النساء في كل ثقافات العالم، قطع القماش الملونة تحتضنها امرأة تركن في زاوية من زوايا المنزل في ليالي الشتاء الباردة، تخط عليها بغرزات متأنية أحلامها وأمانيها، ومن أكون أنا إن لم أكن امتداداً لهؤلاء النسوة، ألملم بقايا أثوابهن التي تركنها وراءهن وغبن، أنثرها، أعيد تجميعها وصياغاتها من جديد لتحكي حكايتهن في لوحة أو أكثر.
كلمة أخيرة نختم بها حوارنا، وما توصياتك لصاعدي سلم هذا الفن الراقي؟
أؤمن بأن لكل إنسان لغته الخاصة وطريقته بالتعبير عن ذاته، ولطالما كان الفن التشكيلي لغة التعبير الأرقى عن الذات، وعلاقة الفنان بلوحته هي علاقة ذاتية خاصة يحكمها تمازج غريب بين الوعي واللاوعي، واتحاد تام خلال العمل مع تلك المساحة البيضاء، لا يفكر أثناءها الفنان بالمتلقي أبداً، يترك روحه تتدفق، وحين ينتهي ويضع توقيعه يختار أن يضع بين أيدي المتلقي جزءاً منه، لوحته، وعندها فقط تصبح ملكاً للجميع، وما أريد قوله أن على الفنان التشكيلي أن يعمل دائماً على تطوير أدواته ومفرداته وأساليبه الفنية وأن يبقى على اطلاع على التجارب الفنية للفنانين المعاصرين دون أن ينزلق إلى التقليد أو التكرار، فالفن حالة متجددة متفردة، من سماتها الأصالة والإبداع.

بطاقة تعريف
الفنانة التشكيلية هيام سلمان من مواليد اللاذقية خريجة مركز الفنون التشكيلية باللاذقية عام 1986، عضو اتحاد الفنانين التشكيليين بسورية، مؤسس ورئيس مجلس إدارة جمعية أرسم حلمي الفنية.
شاركت في معارض وملتقيات فنية متعددة داخل القطر وخارجه، أعمالها مقتناة من قبل العديد من المؤسسات والجهات المحلية والدولية وضمن مجموعات خاصة في سورية، ودول عربية وأوروبية.
حوار: لينا أحمد نبيعة